في السنوات الأخيرة الماضية، شهدت كثير من الدول العربية من حالة عدم الاستقرار والارتباك والتفكك والتشظي، بما لم تشهده في تاريخها على هذا المستوى من التردي أو الوحشية أو الاثنين معاً، جاء ذلك رغم الجهود الحثيثة من قبل بعض من تلك الدول ودول الخليج العربي لضبط بوصلة بعض القضايا والملفات المتوترة في المنطقة، وكبح جماح بعض العوامل المؤثرة في حينها، والتي قادت إلى الإخلال بالموازين وإلى حالة من العنف غير المبرر في بعض الأحيان. حتى خرجت السعودية بحلتها السياسية الجديدة متسيدة للموقف آخذة بزمام قيادة الأمة العربية في سعي دؤوب لضمان استقرار المنطقة وإنقاذ ما تبقى من مكتسباتها وثوابتها ومقوماتها. لقد مدّ الله في أعمارنا حتى رأينا بصيص أمل نقتاد به إلى شرفات العزة العربية، واستعادة مثالب الأمة، وقد مكّنت المتغيرات الأخيرة الخليج العربي من أن يستعيد مكانته التاريخية صقراً يفرد جناحيه بثقلهما على كافة أنحاء وطن العروبة، بعيون سعودية ترصد المتغيرات وتصنع مستجدات الأحداث على الساحة السياسية الإقليمية نحو الأفضل، بما تلقيه تلك الصناعة من ظلال على إدارة العلاقات السعودية والخليجية مع المجتمع الدولي باقتدار.قبل أيام قلائل كانت القمة الخليجية، وقد رسخت نية الاتحاد ومهدت الطريق لتحقيقه، ذلك الحلم العظيم الذي أسسه العاهل السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - وتلقفته الشعوب الخليجية بحفاوة بالغة، ويأتي في مطلع الخطوات الجادة لتحقيقه مصادقة القمة لقرارات تفعيل القيادة العسكرية الموحدة.نعود للنصر المؤزر والقرار المحنك الذي اتخذته قوات التحالف العربي لدعم الشرعية، بقيادة المملكة العربية السعودية في إطلاق «عاصفة الحزم»، ثم «إعادة الأمل»، لاستعادة الشرعية في اليمن، وكيف أن الأطراف اليمنية وصلت إلى الحل السياسي المنشود بما يتخطى المراحل ويحسم القضايا الخلافية العالقة في وقت قياسي إذا ما قورنت بمستوى ما تشهده الدول من أزمات، لاسيما في وجود حالة معقدة متعددة الأطراف كما حدث في اليمن، لكن العزيمة الخليجية والروح الجديدة التي باتت ترى المستقبل بمنظور مختلف وأدركت أخيراً أن البقاء للأقوى، كلها عوامل أسهمت في تحقيق مزيد من التكاتف الخليجي إيماناً بالقضية وإيماناً بالمصير المشترك. ثم تطالعنا القمة الخليجية بالإعداد لمؤتمر لإعادة إعمار اليمن، لضمان استقراره ودعم اقتصاده وإدماجه في الاقتصاد الخليجي، وهو ما يأتي من منطلق المسؤولية الخليجية تجاه الوطن العربي وعموم المنطقة. من جهة أخرى وفي خط زمني موازٍ يأتي مؤتمر المعارضة السورية برعاية المملكة العربية السعودية ورئاسة زميلي بمجموعة مراقبة الخليج - د. عبدالعزيز بن صقر - رئيس مركز الخليج للأبحاث، «الكلمة التي ألفت بين قلوب السوريين»، حسبما وصفته صحيفة «عكاظ» السعودية، إذ لم يحدث أن يجمع المعارضون السوريون على أمر ما من قبل، إلاَّ أن بكلمته المؤثرة والحكيمة حقق توافقاً غير مسبوق بين صفوف المعارضة السورية وصولاً إلى حل سياسي في سوريا. * اختلاج النبض:جهود كهذه تحسب للسعودية، ودورها الرائد في قيادة الأمة العربية، وصعود الخليج العربي إلى الواجهة السياسية متسيداً للموقف الإقليمي ومحركاً رئيساً لعدد من التطورات التي تشهدها المنطقة، خروجاً من النفق المظلم الذي شهدناه في السنوات العجاف الماضية، واستقبالاً لتلك السنوات السمان، فإلى رحابة أكبر نمضي بخطى ثابتة، وفقنا إليها المولى.