تصور نفسك تسير وسط مجموعة من الأشخاص وتشعر في لحظة أن أحدهم قد نكزك في ظهرك أو كتفك فتلفت على الفور لتعرف الناكز فلا تستطيع أن تؤكد من هو، تحتار ولا تستطيع أن تتهم أحدا وقد تعتقد في لحظة أنك متوهم، فتواصل سيرك. وتصور أن الأمر نفسه حدث مرة أخرى ولكنك هذه المرة رأيت بعينيك الشخص الذي فعل ذلك، ثم عندما تسأله عما يريد يقول لك ببساطة إنه ليس من نكزك، فتسكت، ثم بعد قليل يعيد الكرة وتراه بعينيك أيضا وتتأكد من أنه هو الذي فعل ذلك ويشهد على ذلك أيضا آخرون كانوا يسيرون خلفك ورأوا ما فعل فتقول له فيقول لك وهو يقسم بالله العظيم أنه لم ينكزك. هذا بالضبط هو ما تفعله إيران، الجارة المسلمة، مع البحرين ومع غيرها.إيران تسبنا باستمرار عبر فضائياتها «السوسة»، وخصوصاً فضائية «العالم» التي خصصت برنامجاً يومياً باللغة العربية منذ خمس سنوات للقيام بذلك وتستغل خلاله «مواطنين بحرينيين» كي يعينوها على تحقيق أهدافها. وإيران تتدخل في شؤوننا الداخلية وكأنها الوصي علينا، بل أنها تدخل أنفها في أمور صغيرة ولم يبقَ إلا أن تحاسبنا على تصرفاتنا وسلوكنا. وإيران لا تتردد عن تهديدنا كلما سنحت الفرصة وتتهمنا بأننا نؤذي فئة منا تعتبر نفسها مسؤولة عنها. ومع هذا تنكر وتقول إنها لا تفعل ذلك أبداً وتحاول أن تدخلنا في دائرة الوهم، وكأن العالم من حولها عمي وصم لا يرون ما تفعل ولا ما تقول.ولأن هذه الأيام تتم محاكمة من تعتبر نفسها مسؤولة عنه بشكل مباشر، ولأن هذه الأيام تتم محاكمة عناصر محسوبة عليها في بريطانيا وعلى وشك أن تدان باتهامات تتعلق بالإرهاب، ولأن هذه الأيام تحتفل البحرين بأعز مناسباتها وتعيش حالات الفرح، ولأن البحرين حققت انتصارات ملموسة على من أراد بها السوء، لكل هذه الأسباب وغيرها يمكن لمن يتابع تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين وما تبثه فضائياتها السوسة «الإيرانية وغير الإيرانية التي تمولها»، هذه الأيام أن يلاحظ حالة العصبية التي تعيشها هذه الجارة التي لا تزال دون القدرة على استيعاب مسألة أنها جزء من المنطقة وليست الكل، وأنه كما أن من حقها أن تعيش كما تحب أن تعيش، فإن من حق غيرها أيضا أن يعيش كما يحب أن يعيش، طالما أن هذا لا يؤذي الآخرين.أما من يقرأ البيان الختامي لأعمال القمة الخليجية السادسة والثلاثين والتي عقدت قبل أيام في الرياض برئاسة خادم الحرمين الشريفين فسيعرف الأسباب الأخرى التي ستدفع إيران لتزيد من حالة العصبية التي تعيشها وتعبر عنها بتوجيه السباب والشتائم عبر برامج فضائياتها «السوسة»، وعبر مزيد من التدخل في العراق وسوريا واليمن.أي اتفاق خير بين دول المجلس تعتبره إيران موجهاً ضدها وتفترض أنه سيؤذيها، وأي انتصار تحققه قوات التحالف العربي لدعم الشرعية بقيادة السعودية في اليمن تعتبره هزيمة لها، والأمر نفسه فيما يتعلق بأي تقدم إيجابي يتحقق في الملفين السوري والعراقي، فإيران تعتبر نفسها صاحبة الحق في سوريا والعراق ولبنان واليمن وأنها تفعل كل ما تفعل هناك من أجل «طرد المعتدين» فهي تعتبر هذه الدول محافظات إيرانية، وتريد أن تضيف إليها «محافظات أخرى» عبر دعم ما تسميه «ثورة» وتخصص بعض برامجها هذه الأيام للحديث عن «أوراق الثورة».ما ينبغي أن تنتبه له إيران هو أنها لن تتمكن من قتل الفرح هنا وأنها إن أرادت أن تحظى بالقبول في محيطها فإن عليها أن تتوقف عن ممارسات المراهقين الذين يحلو لهم نكز من يسير أمامهم ويعتبرون ذلك شطارة.