خمسة عشر عاماً مضت على منح البحرينيين «مشروعية» العمل السياسي من خلال حزمة من الأدوات الديمقراطية ذات الاختصاصات الكبيرة والحقيقية والتي كان بإمكانها أن تجعل من البحرين واحة للديمقراطية لكننا -جميعاً وبلا استثناء- عثنا فيها فساداً!! وحين أسأنا استخدامها لم نقر بجهلنا بل أعتمنا على ذلك الجهل بأن أنكرنا وجود تلك الأدوات أو ألصقنا فيها التهم، والواقع أن العيب فينا لا فيها. واليوم لا حزب سياسي قوي، ولا مجلس نيابي قوي، ولا بلدي عارف اختصاصاته، ولا وزراء متعاونون، بل جاءنا منهم من أعادنا لا إلى المربع واحد أي عام 2000، بل أعادنا إلى ما يسبقه في السالب «بالماينس»، وبعد ما كنا نفاخر بمساحة الحريات التعبيرية التي بين أيدينا بفضل دستورنا وبفضل قوانيننا وبفضل دعم من لدن جلالة الملك، جاءنا من يعيدنا إلى مربع الإسكات والقمع وتكميم الأفواه باستخدام أدوات بلطجية.. فهل هذا ما «صفينا» عليه من المشروع الإصلاحي؟ هل هذا ما أراده المشروع الإصلاحي حين بدأ عام 2002 من بعد الميثاق؟ هل تصور أحد أن الأدوات الدستورية الراقية ستقع في أيدي العديد من هؤلاء الذين يتولون أمر أجهزة السلطات الثلاث ومؤسساتها؟يؤسفني القول إنه لا التعيينات ولا الاختيارات أتت بمن يحسن استخدام هذه الأدوات، النسبة العظمى منهم تعييناً وانتخاباً لم يكتفوا بإساءة استخدمها بل وظفوها لخدمة مصالحهم، لنقر بأننا أخطأنا جميعاً وبأننا نتخبط وبأننا مازلنا نجهل قيمة ما لدينا.ولا نضع اللوم على التعيينات بل العيب فينا فجاء بعضنا من المنافي وأسس أحزاباً سياسية وبذات الأجندة التي كان يعمل بها في الخارج، واصل «نضاله» في «تحرير البحرين» مستخدماً تلك الأدوات لخدمة أجندته لا لخدمة مجتمعه، فأسس أحزاباً طائفية بجدارة مزقتنا معسكرين، ولم نكتفِ بذلك بل وصل الحال ببعضنا أنه كان يتمتع باختصاصات وأدوات يعرف تمام المعرفة قوتها ومساحتها بل جربها بنفسه حين كان نائباً قبل أن ينشق عنا، وأثبتت فعاليتها، لكنه حرص على إخفائها كي لا يحيد عن أجندته، حتى حين يسافر خارجاً ممثلاً للمجتمع البحريني بقوة ونفاذ تلك الأدوات كان ينكر وجودها ويدعي أنها أدوات صورية فقط، استباح الكذب من أجل استكمال مشروعه «النضالي».وتبعه تيار ديمقراطي عاد من المنفى بخلافاته البينية وأسس أربعة أحزاب سياسية تتناحر فيما بينها وآل مآلها لأن يتبع عمامة رغم ماركسيتها وماويتها!! وضاعت الأداة في يده بعد أن سخر تلك الأدوات لخدمة أغراض لا علاقة لها بالمصلحة العامة الوطنية الشاملة، وضرب لنا هذا التيار الديني اليساري مثالاً في الطعن في الشراكة ونسي خلقه.. نسي بحرينيته.وبعضنا الآخر اعتقد أن دوره محصور في التصدي لهؤلاء الذين أتوا بأجندات طائفية وارتهان خارجي، وحين انتهت المعركة مع هؤلاء واختفى هؤلاء، اختفى هو أيضاً لأن دوره انتهى وأعاد الأداة التي كانت في يده للأدراج ونام هو عليها.وجئنا نحن كبحرينيين باختياراتنا العوجاء ومنحنا صوتنا لمن سيحمل تلك الأدوات نيابة عنا ويمثلنا، فمن اخترنا؟ أسأنا الاختيار وأوصلنا ما لا يعرف «كوعه» من «بوعه» واكتفينا من المعايير والاستحقاقات النيابية لمن ينوب عنا بمن تلا علينا آيات من الذكر الحكيم و قصر ثوبه وأطال لحيته أو ارتدى عمامته.. فأعادونا إلى كربلاء ومعركة الجمل.والنتيجة أدوات رقابية وتشريعية واختصاصات بلدية وقضائية قوية وحادة تائهة تطفو فوق مياه لبحيرة راكدة من الحراك السياسي أنهكها التخبط، أدت إلى فراغ سياسي شنيع نعيشه اليوم بعد أن زهد الناس وكفروا بالديمقراطية وأدواتها.واليوم لو أجرينا استفتاء أو استطلاعاً أو دراسة على «الأدوات الدستورية» المتاحة للمجتمع البحريني للتشريع وللرقابة وللتقاضي وللخدمات البلدية وللحكومة لوجدت جهلاً مدقعاً بها وبفعاليتها، فغالبيتنا صدق فعلاً واقتنع وآمن ويؤكد أن العيب في «الأدوات» لا في «مستخدميها»!