الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي من علينا بنعمة الإسلام، واصطفى لنا نبينا محمداً خير الأنام ، فأزال به الجهل، وأضاء به الظلام، ووصفه تعالى بقوله: «وإنك لعلى خلق عظيم»، «سورة القلم: 4»، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله. يقول الله تعالى في محكم كتابه: «يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً»، «سورة الأحزاب: 45-46».تتجدد البشرى كل عام بمولد خاتم الأنبياء، الذي وصفه الله سبحانه وتعالى بأربع صفات في آيات سورة الأحزاب: أنه الشاهد، وأنه البشير، وأنه النذير، والداعي إلى الله.أما رسالته العامة، فقد جاءت في قوله تعالى: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، «سورة الأنبياء: 107». وهذا موضوع كلمتنا اليوم، وهذا ما تحتاجه أمتنا في هذه المرحلة على وجه الخصوص، أن نتذكر الرسالة الأساس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فالله سبحانه وتعالى لم يرسله من أجل قومه أو من أجل فئة من الناس، كما لم يرسله للحرب والغلبة، وإنما أرسله الله رحمةً للناس كلهم.من أجل هذه المهمة الإلهية السامية اختار الله عز وجل أشرف الخلق وأصدقهم وأرحمهم، وقد تحدث القرآن عن النبي أنه لين القلب، فلا يحمل في قلبه قسوة، لين اللسان فلا يصدر منه أية كلمة قاسية، وهو عندما يعيش مع شعبه فهو يتألم لآلامهم ويحزن لأحزانهم فيما يواجهونه من مشاكل، وأنه يرأف بهم ويرحمهم.وهذا هو حال الأنبياء جميعهم، مثال السيد المسيح «ع» يتحدث عنه في كتاب الله أنه الإنسان الذي يملأ قلبه بالرحمة للناس كافة، وكذلك موسى «ع» نبي المحبة لله وللناس.لقد حمل لنا نبي الرحمة كلام الله وكله وصايا للإنسان، ومنها الوصية الأساسية «وتواصوا بالمرحمة»، «سورة البلد: 17»، أي علينا أن نرحم الأيتام والفقراء والمساكين والناس بشكل عام، وليست الرحمة مجرد نبضة في القلب، بل رحمة في الممارسة لنحل مشكلاتهم ونسوي أوضاعهم. ويدعونا الإسلام الحنيف إلى الالتقاء على محبة الله والإنسان، وأيضاً الحديث النبوي الشريف يقول: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، ويكره له ما يكره لها»، ونحن نعتبر أن الإسلام دين الرحمة، في مقابل كلام وسلوك البعض ممن يعتبرون أن الإسلام دين العنف والقتل. هؤلاء لا يفهمون الإسلام، وهم ضالون عن رسالته السلمية ، أي الرحمة.إن هؤلاء بعيدون عن الإسلام وعن روحه ومقاصده، حين يمارسون القتل، لأن الإسلام هو دين السلام والرحمة الذي يحترم الإنسان المسالم ويدعونا أن نمارس معه الحياة على أساس العدل والإحسان، فمن يمارس الإرهاب والتكفير بسبب الاختلاف، هؤلاء نعتبرهم إرهابيين، لأنهم يقتلون حتى المسلمين، كما في كثير من بلدان العالم الإسلامي، وخصوصاً في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وكما في السعودية والكويت وتونس والمغرب وليبيا وغيرها، وكذلك في بعض دول أوروبا، لأنهم يختلفون معهم في الدين أو المذهب أو في فهم عقيدة الآخرين فيستحلون دماءهم. ولهذا نعتبر أن الإرهابيين يعملون ضد الإسلام ويخرجون عنه، لأن الإسلام يريد للإنسان أن يسالم كل من يسالمه، ويظهر ذلك جلياً في تحية الإسلام التي يلقيها المسلم على أخيه الإنسان وهي «السلام عليكم»، فكأنه يقول لمن يلتقي به أنا مسالمٌ لك ولست في حال حرب معك.إن القتل باسم الدين والمذهب حرام شرعاً، فالهدف منه ليس الدفاع عن الإسلام، بل السطوة والغلبة. والآية القرآنية في النهي عن القتل من أجل الدين أو للاستيلاء على الديار، كان سبب نزولها الضرب على أيدي الذين يفعلون ذلك من المسلمين تجاه ذوي الدين المختلف، أو ديار النزاعات. إن القرآن الكريم يطلب منا اتباع نهج البر والقسط في الحالتين. والبر هو المودة والتعامل الحسن. والقسط هو العدل والإنصاف. هذا نداء قرآني، بل أمر قرآني بأن يتبع الناس، كل الناس، تجاه الآخرين، وتجاه أنفسهم نهج البر والقسط، نهج المودة والعدل: «ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم»، «سورة فصلت: 34». لقد أخبرنا القرآن الكريم أن هناك أمرين اثنين، لا يصبر عليهما أي إنسان مهما بلغ به الضعف والهوان، القتال والقتل باسم الدين أو على الدين، والتهجير من الديار. قال عز وجل: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين»، «سورة الممتحنة: 8».والإسلام أيها الإخوة ليس دين حرب، فهو لا يفرض على الناس أن يؤمنوا به بالقوة، إن الله يقول: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة»، «سورة النحل: 125»، بالكلام الحضاري الإنساني، أما الحروب التي حدثت فهي تماماً كالحروب التي تحدث بين الشعوب نتيجة أوضاع سياسية أو اقتصادية أو غيرها. أما القتال المسموح به فهو القتال على أساس الدفاع عن النفس في مواجهة الذين يقاتلوننا، والقتال في سبيل رفع الظلم، أما الإنسان المسالم فعلينا أن نكون مسالمين معه، وأن نحترم حريته وحياته.وما يصح داخل مجتمعنا الإسلامي يصح على المستوى العالمي، فالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو رحمة للعالمين. من هنا فإن التفاهم بين الشعوب واجب، وقد علمنا القرآن الكريم أن نعمل على أساس الأسلوب الذي يحول الإنسان من موقع العداوة إلى موقع الصداقة: «ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه وليٌ حميم».* الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان