بعض المحللين، وحتى بعض الأنظمة الغربية عبرت عن قلقها من توتر العلاقات الحاصل حالياً بين إيران من جهة وبين السعودية ومعها دول الخليج ودول عربية وإسلامية من جهة أخرى. ولهذا التوتر مسوغات منطقية، بالنظر لكون السعودية وإيران تمثلان ثقلاً إقليمياً في منطقة الشرق الأوسط، وبتعبيرات السياسة الحديثة تعتبران اللاعبين الأساسيين في المنطقة، وعليه فإن وجود صراع ما بينهما أمر له تأثيراته بالطبع على المنطقة ودولها. هذه هي القراءة السياسية المحضة المتجردة من العواطف، لكن في نفس المقام لا بد من الإشارة لوجود خلط كبير في المفاهيم لدى هؤلاء المحللين وتلك الدول الغربية، هناك لبس غير متعمد أو متعمد في فهم الأمور الحاصلة بيننا وبين إيران على حقيقتها، فالأصل هنا ليس خلافاً على موضوع صغير ومحدود الأبعاد، بل هنا نتحدث عن قضية كبرى لها تفريعات وتشعبات عديدة، والأخطر أن لها امتداداً لعقود طويلة. طبيعي جداً أن تعرب الأمم المتحدة عن قلقها، لكن من غير الطبيعي ألا تفهم حقيقة الدور الإيراني في المنطقة، ونوعية الاستهدافات التي تطال دول الخليج العربي، وأن تتغافل عن التصريحات العدائية التي تصدر عن مسؤولي طهران بشكل دائم، أو عن عمليات تدريب عناصر من دول الخليج يدينون لها بالولاء المذهبي على حمل السلاح وتشكيل الميليشيات العسكرية وتنفيذ العمليات الإرهابية، ناهيكم عن المحاولات العديدة لتهريب الأسلحة والذخائر بهدف القيام بأعمال عنف، دون أيضاً نسيان الماكينة الإعلامية الإيرانية التي تعمل ليل نهار على استهداف دول الخليج العربي. الدور الإيراني العدائي واضح تماماً، ومبعثه معروف للعالم أجمع، من خلال مخطط التمدد الصفوي والخطة الخمسينية وإنشاء ما يسمى بـ«دويلة الأحساء أو البحرين الكبرى»، وعليه فإن التبرير لإيران أمر لا نقبله إطلاقاً في دول الخليج العربي، اعتبارها جارة بدر منها تصرف سيئ يمكن أن يتصلح، مطلب فيه ضرب من الجنون، فنحن نعرف تماماً أطماع إيران فينا، ولا نحتاج لأمريكا ولا غيرها لتغير نظرتنا عنها. البعض متخوف من المستقبل القادم، ويجزم بأن الخطوات التي اتخذت لها أبعاداً وتداعيات مقلقة، وهذه قراءة واقعية، لكن في هذه المعادلة لابد وأن يوضع في الاعتبار موقف دول الخليج العربي بقيادة الشقيقة السعودية، لأننا نحن اللاعب الأهم على الرقعة، لأننا نحن بتوحدنا يفترض أن يهابنا الطرف الآخر وأن يكف أذاه ويوقف أعماله الدنيئة ومخططاته الإجرامية. الاعتذار الإيراني الذي قدم للأمم المتحدة بشأن الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، يؤكد ما نقوله بشأن العدائية الإيرانية، مع التذكير بأن صوراً عديدة نشرت لعمليات التخريب أظهرت وجود عناصر من الشرطة الإيرانية في الموقع واقفة تتفرج على عمليات التخريب، دون أدنى تدخل لردع المخربين أو إيقافهم، ما يعني قبول النظام الإيراني بما حصل، دون استبعاد لضلوع عناصر من الباسيج والشرطة الإيرانية في جريمة الاعتداء التي خرقت اتفاقية فيينا بشكل صريح. الموقف السعودي الذي اتخذ بقطع العلاقات وسحب البعثة الدبلوماسية السعودية من طهران وطرد البعثة الإيرانية من الرياض، وما أتبعه من قيام مملكة البحرين بنفس الخطوات ومواقف دول الخليج العربي الأخرى، كلها خطوات كان يفترض أن تحصل منذ زمن طويل، إذ التطاول الإيراني لم يبدأ اليوم وأمس، بل بدأ حتى قبل ثورة الخميني وهنا نتحدث عن أيام الشاه، لكنه زاد بشكل أكبر، وتحول لعداء طائفي صريح وواضح منذ مجيء الخميني حتى يومنا هذا. لذا إن كان للأطراف الغربية وبعض المؤسسات الدولية أن تقلق، فعليها من باب أولى أن تقلق من استمرار النزعة العدوانية لدى النظام الإيراني، عليها أن تقلق من تداعيات مخططات هذا النظام، عليها أن ترى ما حصل في العراق وكيف تحول لمحافظة تابعة لإيران، وعليها أن تقلق من الوضع الإنساني الكارثي في سوريا والذي دخلت فيه إيران بشكل فاضح داعمة للجزار بشار الأسد، وكيف أسندت أدوار القتل والإجرام لـ«حزب الله» التابع لها. نملك بدل الدليل ألفاً في منطقة الخليج على التدخلات الإيرانية، والعداء السافر الذي يطالنا منها، ولدينا قضايا عديدة لأشخاص اعترفوا بتلقيهم تدريبات في معسكرات إيرانية، بل لدينا عتاد يكفي لتجهيز جيش من المضبوطات التي ضبطتها دول الخليج من عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية لعملائها وعناصرها في الداخل. لذا فدول الخليج اليوم اتخذت قراراً من واقع صدها العدوان والاستهداف، قراراً جسوراً بدأته السعودية لردع المعتدي، ولوقف هذا الاستهداف من خلال قطع الأذرع المتغلغلة ومنح إيران فسحة للتنفس عبر عملائها في الداخل، وعبر سفاراتها الضالعة في التجسس وتجنيد الطوابير الخامسة. الخليج العربي ودوله أبداً لم يكونوا معتدين في مقام أول، هم صبروا كثيراً على التطاول الإيراني، منحوا هذا النظام العنصري الطائفي المجرم بحق شعبه أولاً قبل الآخرين، منحوه الفرصة تلو الأخرى ليثبت حسن الجوار، لكن لا فائدة ترتجى من الأعوج. لنا الحق في الدفاع عن أوطاننا، ولنا الحق في صد المعتدين، ولا للتدخل في شؤوننا لمن يريد «التفلسف» بشأنها.