أول ما يمكن أن نتعرف عليه من صفات الإنسان الواعي لطبيعة الحياة التي يحيا هو أنه يعرف ما يريد. الكثيرون يسيرون في هذه الحياة على طريقة أنا أريد هذا أو ذاك، أنا لا أريد أن أكون فقيراً، أو أحتاج إلى أحد، أنا لا أريد أن أطرد من عملي، أنا لا أريد أن أبكي أو أحزن، أنا لا أريد أن أمرض. كلهم يقدمون «لا» على الموضوع الذي يشغلهم بكلمة «لا»، ولا يعرفون أن العقل الباطن لا يعرف كلمة «لا». بهذا المعنى فهم يدخلون في الموضوع، كأنما يقولون العكس، أي أنا أريد أن أطرد من عملي، أنا أريد أن أحزن، أو أبكي، أو أي شيء آخر من هذا القبيل.إنهم لا يعرفون ما يريدون أن يحققوه في حياتهم المديدة بإذن الله، لهذا نراهم يقولون عكس ما يريدون، فبدلاً من القول أنا لا أريد أن أكون فقيراً، يزيح كلمة «لا» من قاموسه ويقول: أنا أريد الوفرة، أنا أريد الثراء، أنا أريد المحبة، أنا أريد العطاء، أنا أريد النجاح في عملي، أنا أريد الخير للجميع دون الحاجة إلى استخدام كلمة «لا». كل هذا الكلام من أجل الدخول في الموضوع الذي أحب الحديث عنه وهو ضرورة معرفة أولوياتك في حياتك، الأولويات التي إذا تعرفت عليها جيداً، تستطيع النجاح يومياً في الوصول إلى الأهداف التي وضعتها.قبل عدة أيام وصلتني رسالة «واتس آب» جميلة من ابنة أختي، وأحب أن أشكرها هنا، على مثل هذه الرسائل، التي تعيد إلينا بعض ما نسيناه في رحلتنا الحياتية وتذكر البعض الآخر على ضرورة إعادة النظر في المشاريع الحياتية التي نعمل على إنجازها. تقول رسالة «الوتس آب»: سيدة قابلت د.إبراهيم الفقي خلال محاضرة عن ترتيب الأولويات، وكانت تلك السيدة ترى أن أولادها أهم شيء عندها فراح د.إبراهيم الفقي يسألها، إذا فقدت زوجك هل تستطيعين رعاية أبنائك بمفردك؟ قالت: لا، قال لها: إذاً زوجك أهم من الأولاد، صح؟ قالت: نعم، قال لها: ما أهم من زوجك؟ قالت: لا شيء. قال لها: إذا فقدت صحتك، ولم تستطيعي رعاية زوجك وأولادك هل سيكونون أفضل بل احتمال كبير أن زوجك يتزوج بأخرى؟ فأصابتها دهشة، فقال لها: إذاً صحتك أهم، صح؟ قالت: نعم، ولا تستطيع إقناعي بما هو أهم، قال لها: جيد إذاً صحتك أهم من أي شيء، ولكن إذا أصابك اكتئاب مثلاً وأصبح ليس لديك توازن نفسي وأصبحت لا تتحملين أطفالك، هل ستكونون بخير؟ قالت: إذاً التوازن النفسي أهم من أي شيء، قال لها: لو لم تقيمي صلاتك، وتقرأين القرآن، وغضب الله عليك، هل ستجدين راحة نفسية؟ قالت: لا، قال لها: رضا الله أصبح أهم شيء، صحيح؟ قالت: نعم، فلما طلب منها إعادة ترتيب الأولويات أصبح أول شيء عندها يكاد يكون الأخير. هكذا البعض منا يرسم مثلث حياته مقلوباً فيواجه كثيراً من المتاعب والصعاب.رحم الله الدكتور إبراهيم الفقي الذي علمنا الكثير، ومازلنا نتعلم من كلماته الكثير. وهنا من الضرورة التأكيد على أهمية أن يعرف كل منا الأولويات في حياته، الأهم ثم المهم. إذا لم نكن قد بدأنا بترتيب أولوياتنا، هل نبدأ الآن؟ فلنبدأ.