على عكس ما كانت تتوقع، قرر العرب في لحظة لفظها وعزلها ووضعها في حجمها الطبيعي، حيث قطعت العديد من الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع ايران فور أن أعلنت المملكة العربية السعودية قطع علاقاتها معها وطرد السفير الإيراني من الرياض وسحب البعثة الدبلوماسية السعودية من طهران، فمثل هذه الخطوة لم تكن متوقعة لدى الساسة الإيرانيين الذين ظلوا يلعبون على المتناقضات بسبب إدراكهم لحالة الوهن العربي التي استمرت طويلاً فظلوا يشحنون العرب ضد بعضهم البعض عبر فتح أبواب الطائفية كي لا ينتبهوا إلى ما تريده لهم. المثير أنه لا توجد إلا دول قليلة في العالم العربي والإسلامي التي لاتزال تأمل أن تعود حكومة الملالي إلى رشدها ويتبين لها أن مصلحتها تكمن في تطوير علاقاتها بالبلاد العربية وبجيرانها على وجه الخصوص لا بمعاداتهم والتزيين لشعوبهم، بل إن هذه الدول القليلة ستجد نفسها مضطرة بعد حين لاتخاذ موقف من إيران التي استهواها التطرف ولايزال، فكما أن صبر السعودية وغيرها من الدول التي قطعت علاقاتها مع إيران نفد، فإن صبر غيرها سينفد دونما شك عندما يتبين لها أن العقلية الفارسية تريد أن تبقى على ما هي عليه ولا تستوعب العمل السياسي وأهمية العلاقة بينها وبين الدول العربية. من تابع ما نشر من ملفات عن إيران في الأيام القليلة الماضية تبين له دونما شك حجم الأخطاء التي ارتكبتها هذه الدولة الفارسية في الفترة الماضية ومدى قدرة الدول العربية على تحمل أخطائها والصبر عليها لاعتبارات الجغرافيا والدين، ومن تابع ردة فعلها المفتعلة فور إعدام السعودي نمر النمر لابد أنه تأكد أنها إنما أرادت توظيف الحدث لصالح تحقيق أهدافها في المنطقة والرامية إلى تسيدها، ومن تابع نشاطها الإعلامي خلال هذا الأسبوع لابد أنه لاحظ مقدار اعتمادها على سلاح الإعلام لمحاربة كل من يختلف معها أو لا يوافقها على ما تفعله في المنطقة أو يحاول أن يفضح خطواتها. ما ستسعى إليه إيران خلال الفترة المقبلة ليس مداواة الجرح الذي تسببت فيه ومحاولة تصليح ما انكسر وإقناع من قاطعها بإعادة العلاقات كما كانت ولكن الإصرار على الخطأ ومعاداة كل عربي وخصوصاً المملكة العربية السعودية وكل دولة أعلنت قطع علاقاتها الدبلوماسية معها، فهي تعتبر هذا الأمر خطوة ما كان ينبغي من هذه الدول أن تقدم عليها حيث التجرؤ عليها فقدان للعقل!الدول العربية إجمالاً ودول الخليج العربي على وجه الخصوص لا تعادي الآخرين حتى وإن تطاولوا عليها، وهذا يعني باختصار أن السعودية لم تقدم على خطوة قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران إلا بعد أن تبين لها أن كل علاج -غير الكي الذي هو آخر الدواء- لم ينفع، والأمر نفسه فيما يتعلق بقرار البحرين وغيرها من الدول العربية التي أيدت خطوة المقاطعة وعبرت عن عدم رضاها عن التصرفات الإيرانية وتدخلها المباشر وغير المباشر في الشؤون الداخلية للآخرين وعن محاولاتها المستمرة لزعزعة الأمن والاستقرار في بعض الدول وفي المنطقة إجمالاً. ما قامت به الشقيقة الكبرى فيما يخص العلاقة بينها وبين الدولة الفارسية هو غضبة الحليم التي كان ينبغي من إيران أن تتقيها وتحسب لها ألف حساب، لكن يبدو أن هذا المثل العربي الأصيل «اتق الحليم إذا غضب» لا تتوفر له ترجمة بالفارسية وإلا لكانت درسته على الأقل واستفادت منه. استمرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران أو خفضها ليس في صالحها أبداً وإن ادعت عكس ذلك، لذا فإن عليها ألا تكابر وأن تراجع نفسها ومواقفها وتعرف حجمها الطبيعي وتعرف أن للصبر حدوداً وأن التدخل في الشؤون الداخلية للدول أمر مرفوض.