عندما رأيت وزير خارجية العراق وهو متوجه إلى إيران، وقرأت بعدها أنه يعرض وساطة بغداد لحل الأزمة التي اشتعلت بين المملكة العربية السعودية وإيران، على إثر تدخلات إيران في الشأن الداخلي السعودي واحتجاجها على إعدام الإرهابي نمر النمر، وما أعقب ذلك من تحريك إيران لعصاباتها وحرق السفارة والقنصلية السعودية وطرد السفير الإيراني وإغلاق سفارته، تذكرت مسرحية «بيت وخمس بيبان» التي شاهدتها في ثمانينيات القرن الماضي.دارت أحداث المسرحية حول رجل مثقف معدم الحال يعيش في بيت مع مطرب فاشل يعمل في أحد الملاهي الليلية، كان يظن أنه ملحن ويدعي الفن، وكلما مر المثقف من أمام هذا الفاشل قال له: «ومن جهلت نفسه قدره .... رأى غيره منه ما لا يرى»، وهذا بيت شعر للمتنبي، ومن شدة ضحالة هذا الفاشل لم يكن يدرك تلك الكلمات وكان يتمنى لو أنه حفظها حتى لو بطريقة غير منضبطة ليلحنها ويعمل منها أغنية بعد أن يفرم معها بعض الزغاريد والإيقاعات على حد قوله، هكذا هو حال وزير خارجية العراق الذي لا يقل شأناً عن حال هذا المغني، ليس وحده بل حتى إيران التي استدعته تشبه حاله، لا أعرف كيف أقنع نفسه وكيف اقتنعت إيران أن يلعب دور الوسيط في قضية هو طرف فيها وجزء من مشكلتها وليس طرفاً ثالثاً، فمن يتوسط يجب أن يكون طرفاً محايداً وليس الجعفري الذي يتطلع لدور الوسيط في الوقت الذي تعبر وزارته على لسان المتحدث الرسمي باسمها في بيان صحافي نشر على موقع وزارة الخارجية العراقية أنه يستنكر ويشجب باسم الوزارة إعدام الإرهابي نمر النمر محاولاً تعليم السعودية ما يجب عليها القيام به وما لا يجب، ليتدخل هو الآخر بطريقة مشابهة للتدخل الإيراني في شؤون دول الجوار، يتطلع لدور الوسيط وهو جزء من التحالف الوطني «الشيعي» الذي شجب الإعدام وأدانه وتدخل مرة أخرى بشأن لا يعنيه منطلقاً من طائفيته المقيتة، يتطلع لدور الوسيط وهو جزء من حكومة العراق التي يطالب عدد من أعضائها بإغلاق السفارة السعودية وطرد السفير السعودي، يتطلع لدور الوسيط في الوقت الذي موظفو وزارته يدخلون ويخرجون لدوامهم من الأبواب الخلفية للوزارة خوفاً من المظاهرات التي تقودها الميليشيات الشيعية مطالبة وزارة الخارجية العراقية قطع العلاقات من السعودية نصرة لإيران، يتطلع لدور الوسيط والعالم من حوله يعرف أنه ليس أكثر من موظف في مكاتب الخارجية الإيرانية، فهل من عاقل يتطلع لدور الوسيط وهذا حاله؟ّ!من الإهانات الكبيرة التي وجهتها أمريكا وإيران للعراق عندما جاءتا إلى وزارة خارجية العراق التي قادها منذ سنة 1924 شخصيات لها ثقلها ووزنها السياسي أمثال ياسين الهاشمي وعبد المحسن السعدون وجعفر العسكري وتوفيق السويدي ونوري السعيد وطارق عزيز وسعدون حمادي وغيرهم كثير كان آخرهم الدكتور ناجي صبري الحديثي، فوضعت على رأسها الوزير الحالي.