لا تزال صور أطفال «مضايا» و»الزبداني» تطارد ذاكرتي أكثر فأكثر، كلما قرأت خبراً أو رأيت صوراً عن ولائم تقام، وأرقام قياسية تحطم لأكبر «كبسة» أو «صحن تبولة» و«حبة فلافل»، فيما ينازع أطفال مضايا والزبداني الموت قهراً وجوعاً في ظل الحصار الخانق الذي تفرضه عليهم قوات النظام السوري ومليشيات «حزب الله» ومن ورائهما إيران.الموت جوعاً هي الصناعة الألمانية النازية الوحيدة التي أتقنها ملالي إيران ونظام الأسد ومن دار في فلكهم. ففي مخيم تل الزعتر حيث حاصرت الميليشيات اليمينية اللبنانية المتطرفة، بدعم ومساندة من الأسد الأب، حيث اضطر الأهالي إلى طلب فتاوى بأكل القطط والكلاب. وهو ما تجسد في أبيات شعرية تقول«.. والآن تكفِّنُهُ عيني.. فدعوني آكلُ من ابني.. كي أنقذَ عمري.. ماذا آكل من ابني؟!! من أين سأبدأ؟!».ذات الصورة تتكرر اليوم في مضايا، حيث أشباح بشر تبحث عما يسد الرمق ويبعد الموت الذي يقترب رويداً رويداً، لينهك الروح قبل أن يقطفها، فيما تمعن ميليشيات إيران والأسد بشد الحصار أكثر وأكثر سعياً لإذلال شعب خرج مطالباً بحريته ولقمته وكرامته.خلف هذا المشهد السوداوي تقف فتاوى ومرجعيات، تبدأ في قم وطهران مروراً بالنجف ودمشق وبيروت، ترفض أن تمنح حق الحياة لبشر، متناسية قول الإمام علي رضي الله عنه بأن «الناس صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق»، كيف لا وقد فعلها من قبل الخميني عندما رفض طلب الشيخ أسعد بيوض التميمي وغازي عبدالقادر الحسيني بالتدخل لوقف المجازر وإنهاء الحصار الذي يتعرض له الفلسطينيون في لبنان على يد ميليشيات أمل عام 1985.وها هي الصورة اليوم تتكرر، ولكن تحت عمامة خامنئي، فهو التلميذ النجيب لسيده، وربما يتفوق عليه في اختراع أساليب جديدة في تعذيب البشر والحط من كرامتهم والتفنن في قتلهم.مضايا تصارع بين الموت والحياة، والموت أقرب لها من حبل الوريد، فيما العالم يتجاهل أصوات الأطفال الباحثين عن شيء يأكلونه، أي شيء، ربما ما بقي من القمامة أو أوراق الأشجار، وربما يلجؤون كما فعل الفلسطينيون قبلهم إلى طلب الفتاوى بأكل القطط والكلاب..* ورق أبيض:عندما يتجرد بنو البشر من أبسط الصفات الإنسانية، فلا مجال للحديث والتعليق، خصوصاً بعدما أطلق أزلام النظام السوري وميليشيات حزب الله حملتهم للسخرية من جياع مضايا، وأرفقوا معها صور موائدهم. وهو ما أسقط آخر أقنعتهم التي تستروا خلفها لسنوات رافعين شعارات «المقاومة والممانعة».. فتباً لكم ولمقاومتكم..