بالنسبة لي على الأقل، ولكثير من المتابعين للشأن العربي واللبناني على وجه الخصوص، لم يكن مفاجئاً تحفظ لبنان على بيان الجامعة العربية، الأحد الماضي، والذي أدان التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية والدول الأعضاء، ذلك أن رجال الدولة اللبنانية، المختطفة إيرانياً، لا يمثلون إلا إرادة من نصبوهم ومن يعملون تحت إمرتهم من عمائم قم وأقبية مخابرات النظام السوري.عصابات الدولة اللبنانية ذاتها لم يستطيعوا تقبل وجود شخص بمستوى الشهيد رفيق الحريري، والذي كان كل حلمه أن يرى وطنه حراً وذا سيادة، وأن يعيش الجميع على أرضه بسلام وعلى قدم المساواة، وهي ذات العصابات التي لا تزال تعطل انتخاب رئيس للجمهورية، وهي ذات العصابات التي حولت لبنان، سويسرا الشرق، إلى أكبر مكب للنفايات في العالم. وهي ذات العصابات التي اقتسمت السلطة ورهنت الوطن وقطاعاً كبيراً من الشعب للمشاريع الخارجية، مرة مع إسرائيل ضد الفلسطينيين، وأخرى مع النظام السوري ضد ثورة شعب انتفض من أجل الكرامة والحرية ولقمة العيش.هي العصابات ذاتها التي أعلنت رفضها لمشاريع الإعمار الخليجية بعد أن دمر لبنان مرتين في مغامرات لم يحسب لها حساب، وتمني النفس «بالأموال الطاهرة» التي ستتدفق من خزائن الولي الفقيه، وفي النهاية كانت السعودية، ومن ورائها دول الخليج من أعاد الإعمار ومحا آثار العدوان.ورغم كل ذلك، لم يشفع للسعودية ودول الخليج مواقفها الداعمة للبنان، لينبري جبران باسيل، معترضاً على بيان إدانة النظام الإيراني، وكأن إيران هي من أعادت إعمار لبنان بعد سنوات الحرب الأهلية، أو كأنها من كانت على الدوام الداعم والممول لجميع مشاريع التنمية، أو أنها من قدم قبل أشهر دعماً للجيش اللبناني بقيمة 3 مليارات دولار على شكل تسليح وتدريب.موقف العصابات اللبنانية الحاكمة لا يمكن وصفه إلا كامتداد لسياسات إيران وتابعيها في المنطقة، وهو الموقف الذي يعبر عن مدى ارتهان القرار الوطني اللبناني للسيادة الإيرانية، والتي تفاخر بأن بيروت، عاصمة العرب، ضمن أملاكها وتحت سيطرتها، وهو ذات الصراع الذي تديره إيران على الأراضي اللبنانية ضد السعودية والدول العربية الرافضة لسياساتها.أما الآن، فأفضل ما يمكن أن تقوم به الدول العربية أن ترفع يدها عن لبنان، فطالما لم يستطع اللبنانيون أن يقتلعوا هذه الطغمة من أرضهم، وأن يبرهنوا على عروبتهم وصدق انتمائهم، فإن سياسة مسك العصا من المنتصف أصبحت ممجوجة ومرفوضة.واليوم لم يعد في يد العرب، حكومات وشعوباً، إلا أن يتركوا لبنان المستسلم لهذه العصابات ليحسم مواقفه ويقرر أن يكون جزءاً من أمة عربية أو أن يغرق في تلك العصابات ونفاياتها.* ورق أبيضقال لي أحد الأصدقاء إنه ينقلب على قفاه ضاحكاً كلما سمع سياسيي العصابات اللبنانية يتحدثون عن التحضر والإنسانية والمفاهيم العصرية، فيما يقتل البعض بسبب الخلاف على إشارة مرور أو موقف للسيارة، أو حتى بسبب الاختلاف مع الآخر دينياً أو طائفياً، فالحضارة والإنسانية والتحضر أكبر من «هز وسط» وكلمات الدلع والـ «هييء مييء».
Opinion
لبنان.. الرائحة تفوح من جديد
13 يناير 2016