قيمتان ثقافيتان هامتان طرحتهما منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة «اليونسكو» في اليوم العالمي للغة العربية لعام 2015، الأولى ملصق «الحب» الذي اعتمدته المنظمة شعاراً لاحتفال هذا العام، والثاني موضوع «العلم»، الذي اعتمدته المنظمة محوراً لدورتها الاحتفالية بالعربية في عام 2015. والمؤسف أن القيمتين الجليلتين لم تحظيا بالاهتمام الكافي من أبناء العربية، بل إن المذهل، حقاً، الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية لم يكن حاضراً بالقوة التي يعتقد كثير من العرب أن لغتهم الأم تمثلها لهم سواء على صعيد الهوية أو على صعيد القداسة. صممت «اليونسكو» شعاراً مبدعاً ليوم اللغة العربية. كان عبارة عن صورة قلب مركب من ثمانية وثلاثين مفردة للحب في اللغة العربية. وبعض تلك المفردات غير دارجة في اللغة العربية المعاصرة مثل العلاق والسدم والتبل والرسيس. بادرة شعار الحب ومفرداته لها وجاهتها ونباهتها، من حيث استجابة القيمة لتوجهات «اليونسكو» الرامية إلى نشر ثقافة السلام في العالم. ومن حيث تزامنها مع الظرف التاريخي الذي تشهد فيه المنطقة تفشي ثقافة الكراهية وتفجير التناقضات العرقية والمذهبية وتفتيت المجتمعات عبر التصنيفات الإيديولوجية والسياسية. وقد مر شعار الحب وألفاظ الحب مروراً خجولاً لم يترك بصمة ولم يلاق صدى لا في احتفاليات العرب بلغتهم ولا في الفعاليات الثقافية التي كان متوقعاً أن تتفرع عن المضمون المعرفي لشعار الاحتفال.أما محور الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية الذي خصص للعلم. فمن المؤسف بأن يتم اختياره في الوقت الذي تشهد فيه الحركة العلمية والثقافية تراجعاً «ممنهجاً» ومقصوداً في الوطن العربي. ومن المؤسف أن يتوازى هذا المحور مع التحديات التي تواجه اللغة العربية والتي اختزلتها «اليونسكو» في تراجع نسب ترجمة الكتب في الوطن العربي وعدم التقدم في برمجيات اللغة العربية وتطوير الجانب التكنولوجي في تطبيقات اللغة العربية الإلكترونية. وأظن أن السيدة إيرينا بوكوفا مديرة منظمة «اليونسكو» لم تجد سوى التاريخ ملجأ للربط بين العربية والعلم، إذ يبدو أن أفق الواقع والمستقبل كان ضيقاً أمام خيارتها في صياغة كلمة ناجحة بهذه المناسبة. تقول بوكوفا إن «الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية يتيح إبراز الدور التاريخي للغة العربية في البحث العلمي ونشر المعارف.. وأن الشغف بالعلم يبدو جلياً في النصوص العربية القديمة.. وأن اللغة العربية كلغة علمية دولية سادت منذ العصور الوسطى وساهمت في حفظ المعارف ونقلها من العصور القديمة، فضلاً عن ظهور علماء كتبوا إنتاجهم باللغة العربية مثل ابن سينا وابن رشد..».احتفلت «اليونسكو» باللغة العربية لغة للحب والعلم، والعرب منشغلون في أزماتهم العسكرية والسياسية والاقتصادية. وفي وقت تعاني منه العلوم والثقافة من كمون وتهميش وإقصاء «مدروس» في الوطن العربي يجعل صوت الأزمات هو الأمضى ولغته هي الأكثر تأثيراً في العقل العربي.
Opinion
العربية لغة الحب والعلم
17 يناير 2016