«تسقط المحكمة العسكرية»، «محكمة العار»، «الدكانة العسكرية»، تلك نماذج من الصرخات التي أطلقها سياسيون كبار، ومواطنون، مغبونون في لبنان، احتجاجاً على قرار المحكمة العسكرية إطلاق سراح مستشار رئيس النظام السوري بشار الأسد، والوزير السابق، ميشال سماحة مقابل كفالة مالية بلغت نحو 100 مليون دولار، بالرغم من أن الأخير اعترف بجرمه وثبت بالصوت والصورة أنه أدخل متفجرات وعبوات ناسفة إلى لبنان من سوريا، بهدف تفجيرها، خصوصاً في مناطق الشمال ذات الأكثرية السنّية، وإثارة الفتنة بين الطوائف اللبنانية.وتثير المحكمة العسكرية في لبنان الكثير من الجدل حول حيادها وشرعيتها، خاصة بعد توجيه اتهامات إلى أعضائها بإطلاق سراح متهمين موالين لقوى «8 آذار» وأبرز أركانها «حزب الله»، على غرار الوزير سماحة، والعميد المتقاعد من الجيش اللبناني فايز كرم، المدان بتهمة العمالة لإسرائيل، وقاتل النقيب بالجيش اللبناني سامر حنا وغيرهم.ويرى الكثير من اللبنانيين أن سجل المحكمة «غير نظيف»، فهي تحتجز المئات من السجناء الذين تعرضوا للتعذيب ووضعوا خلف القضبان دون محاكمة منذ أكثر من 10 سنوات، في الوقت الذي تفرج فيه عن مدانين بالإرهاب وجرائم بالغة الخطورة، سماحة ليس آخرهم.وربما ما أقدم عليه القضاء العسكري اللبناني يكرس حقيقة مفادها أنه يدار من قبل أطراف سياسية معينة، كأنه رهينة، خاصة لدى إيران ونظام الأسد و«حزب الله».ولطالما أثار القضاء جدلاً كبيراً، بسبب قراراته، التي تنتصر لمقربين من نظام الأسد و«حزب الله»، ما يثير المخاوف من أن يؤدي القرار الأخير إلى زيادة حالة الاحتقان الطائفي في البلاد، خاصة وأن تلك القرارات تولد شعوراً لدى المواطن اللبناني بعدم الثقة في نزاهة وحيادية مؤسسات الدولة. سياسيون كبار تجرؤوا على انتقاد القضاء العسكري اللبناني للمرة الأولى، في سابقة، تعد ثورة من مجموعة مؤثرة من اللبنانيين، على السلطة التي بقيت في الماضي فوق مستوى الشبهات، وترافق ذلك مع تركيز مواقع التواصل الاجتماعي على عبارة «جمهورية ميشال سماحة» وسط هجوم عنيف على «حزب الله» الذي تعتبره أوساط قوى «14 آذار» المشغل الحقيقي لسماحة.وقد خرج لبنانيون غاضبون للتظاهر في العاصمة بيروت وأغلقوا شوارع احتجاجاً على إطلاق سراح سماحة. وصدرت أبرزت التنديدات السياسية على لسان وزير العدل أشرف ريفي، المحسوب على قوى «14 آذار» بقوله «مرة جديدة أجد نفسي مضطراً لأن أنعي المحكمة العسكرية إلى الشعب اللبناني»، مضيفاً «يبدو أن هذه المنظومة تميز بين متفجرات من هنا وأخرى من هناك، ويبدو أنها تميز بين إجرام تعتبره صديقاً وإجرام تعتبره عدواً». في حين اعتبر وزير الداخلية نهاد المشنوق قرار المحكمة «إدانة واضحة». واستنكر رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري القرار، مضيفاً «نشعر بالقرف والاشمئزاز من عدالة منقوصة وبالخوف على أمن اللبنانيين طالما ستبقى الأبواب مفتوحة للمجرمين للهروب من الحكم العادل».وشن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط هجوماً صريحاً على المحكمة بقوله إنه «تشريع للجريمة إن لم يكن تشجيعاً لها».واستهجن الزعيم المسيحي لحزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع القرار، متسائلاً «كيف لي أن أفهم أن لبنانياً تآمر مع جهة خارجية لارتكاب أعمال قتل وتفجير في بلاده ونقل متفجرات وجند أشخاصاً لتنفيذها؟ كيف لي أن أفهم إطلاق سراح هكذا شخص؟».وعلق رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل على القرار معتبراً أن «رسالة القضاء اللبناني إلى الإرهابيين حول عقوبة تهريب متفجرات والتخطيط لتفجير اللبنانيين بأوامر خارجية هي السجن ثلاث سنوات فقط»!!وما يدعو للسخرية أن سماحة اعترف في الجلسة الأولى من إعادة محاكمته في يوليو الماضي بنقل متفجرات في سيارته إلى لبنان بعد تسلمها من مدير مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك في دمشق من أجل استخدامها في عمليات ضد شخصيات ومناطق لبنانية معينة. ونشرت وسائل الإعلام اللبنانية أشرطة صوتية مسجلة لسماحة ساهمت في إدانته، اذ يتحدث فيها بوضوح عن مخطط التفجير مع شخص يدعى ميلاد كفوري، وهو الشخص الذي وشى به إلى السلطات اللبنانية. وحكمت المحكمة العسكرية في 13 مايو الماضي على سماحة الذي كان حتى لحظة توقيفه في أغسطس 2012 مستشاراً لبشار الأسد، بالسجن لمدة أربع سنوات ونصف، بعد إدانته بـ «محاولة القيام بأعمال إرهابية والانتماء إلى مجموعة مسلحة».والمتتبع للوضع السياسي في لبنان ربما يربط بسهولة بين إخلاء سبيل سماحة، المدان في قضية إرهابية تمسّ الأمن الوطني، وبين الموقف الذي اتخذه وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب في القاهرة والذي خرج فيه عن الإجماع العربي برفضه إدانة «حزب الله» بالإرهاب، وبإدانة إيران ردّاً على إحراق السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد.* وقفة: إطلاق ميشال سماحة الذي اعترف بالصوت والصورة بجلب متفجرات من دمشق لتنفيذ عمليات اغتيال في لبنان تستهدف سياسيين ورجال دين سنّة يشكّل حجة قوية على هيمنة «حزب الله»، ذراع نظام «ولاية الفقيه» في لبنان، على القرار السياسي والعسكري والقضائي، ويثبت أن لبنان محتلاً من قبل إيران!!