نواصل في الجزء الثالث والأخير من المقال حديثنا عن زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ لمصر. والآن نقول للرئيس الصيني باسم شعب مصر مرحباً بكم في أرض الفراعنة، وأرض العروبة، وأرض الإسلام، وأرض أفريقيا، إن زيارتكم لمصر رغم أنها تأخرت بعض الشيء فإنها ستظل علامة فارقة ومهمة في تطور علاقات البلدين وإصداركم وثيقة رسمية عن العلاقات الصينية العربية خير مؤشر على ما تعطونه من جدية واهتمام لزيارتكم لمصر في جولة شرف أوسطية تشمل المملكة العربية السعودية. ونقول للقيادة المصرية وبخاصة للسادة الوزراء، إنه من حسن الحظ أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يدرك أهمية الصين ومكانتها، ولذلك زارها مرتين، نقول إن الصين أصبحت دولة عملاقة لا تقل تقدماً عن أية دولة غربية في مجالات عديدة وإن على مصر أن تقدم مقترحات مدروسة وعملية وواقعية حتي يستجيب الصينيون بسرعة، ونؤكد أنه على المسؤولين المصريين إعادة النظر في منهج التفكير وفي أسلوب التعامل والتفاوض مع الصين، وفي ضرورة أن يكون أي مشروع مدروس دراسة وافية من حيث الجدوى الاقتصادية والمنافع المشتركة للطرفين، وهو ما تهتم به الصين. فكما قال رئيس الوزراء الصيني الأسبق جورونجي لي في لقاء معه أثر تسلمي العمل سفيراً لمصر في الصين في مايو 1998عندما تناولت العلاقات الاقتصادية والاستثمارات أن الصين لديها قراراً سياسياً استراتيجياً بالتعاون الكامل مع مصر، ولكن على مصر أن تتقدم بمشروعات مدروسة ووافية وواضحة وتطور قوانين الاستثمار لديها، حتى تقوم الصين بالتمويل أو المشاركة في تلك المشروعات بثقة وتعود الفائدة على الطرفين. وأضاف جورنجي أنه قد مضى عهد المعونات والمساعدات والمجاملات، والآن نحن في عهد الإصلاح وبناء العلاقات الاقتصادية على أسس مدروسة، وهذا ما سجلته وأرسلته لمصر رسمياً، وعبرت عنه في الكثير من مقالاتي في الصحف عبر السنين. والآن تزداد لدي الثقة في الجانبين المصري والصيني، أن كلا منهما أدرك أهمية وإمكانيات الطرف الآخر. ومن متابعتي لما ينشر عن مشروعات اقترحتها مصر على الجانب الصيني أجد أنها بداية جادة، ولكنها ليست كافية، فلدى الصين خبرة كبيرة في جانب التكنولوجيا العسكرية، وفي القطارات فائقة السرعة، لمسافات بعيدة، وليست المسافات القصيرة، التي تضمنتها بعض المقترحات المصرية، وفي المناطق الاقتصادية الخاصة التي حققت لها معجزة التنمية، ولدى مصر إمكانيات لذلك، ولهذا فان إقامة القطار الفائق السرعة بين الإسكندرية وأسوان يعد من الضرورات، كذلك الاستفادة من تجربة المناطق التنموية الخاصة في الصين في تنمية منطقة قناة السويس، إن هذا يعد من الأهمية بمكان لنجاح الخطة الوطنية المصرية، كذلك تجربة الصين في رفع مستوى معيشة الطبقات الفقيرة، وفي بناء الكوادر الخبيرة في الإدارة والفنيين والمهنيين في إدارة وتأهيل المصانع وهم الذين ساعدوا في تقدم الصين وتحقيق المعجزة الاقتصادية. كذلك في إتاحة الفرصة للشباب الذين هم أساس بناء الصين الحديثة ومشاركة المرأة في الصين بالغة الأهمية دون الاستغناء عن الخبرات الكبيرة التي لديها تجارب ورؤية خاصة في التخطيط للمستقبل وهذا التخطيط الاستراتيجي أصبح من العلوم المهمة في العصر الحديث وهو الأمر الذي تحرص عليه الصين التي لا تهدر أي مورد بشري لديها بل تستفيد منه وأهم طريق لذلك هو توعية المجتمع بأهمية وضرورة الإيمان والولاء الكامل للوطن والحرص علي العمل وإجادته وإدراك الهوية الحضارية للمجتمع وليس المفاهيم المستوردة من أية دولة أخرى والتي أدت لتدمير البلاد وإعاقة تقدمها، فالصين تضبط الإيقاع التنموي والسياسي بقوة وحزم، وتحقق الانضباط في أجهزة الدولة وموظفيها، وفي الإنتاج وفي الأمن، وفي الحماية والدفاع بلا تردد فهذه قضايا بالغة الأهمية، فالاستقرار السياسي وليس الفوضى هو أساس التقدم الاقتصادي والعمل والإنتاج هما ركيزة مهمة لبناء الوطن وليس التظاهرات والفوضى والعيش في غيبيات الماضي وعصره الذهبي فالماضي انتهى واليوم الحديث عن المستقبل بمنطق المستقبل وليس بمنظور الماضي.* سفير مصر الأسبق في الصين وعضو منتدي شنغهاي للدراساتالصينية وعضو مجلس إدارة مؤسسة «كونفوشيوس» الدولية