دبي صرحت منذ أيام بأنها سوف تحتفل قريباً بتصدير آخر برميل نفط، وهذا التصريح لم يأت إلا من ثقة تامة من مواردها، فاعتماد دبي كما يعرفه الجميع ليس على النفط وإنما على الاستثمار والسياحة والعنصر الأهم هو العنصر البشري، فالإنسان هو الاستثمار الحقيقي بل هو من أهم الموارد، فدورة الحياة تبدأ به، ويستمر ما دام يسلم راية الحياة لمن يأتي بعده، فالإنسان هو القوة في التعمير والقوة في صناعة التغيير، اليابان بعد الهجوم النووي على هيروشيما وناجازاكي لم تثق إلا بالعقل البشري واستثمار المواطن لإعادة بناء اليابان من جديد لتبدأ من الصفر، وتنافس كل الدول في الصناعة والتطور، مسببه القلق لبعض الدول التي مزقتها في الحرب العالمية. المواطن البحريني ليس بمعزل عن تدني الوضع الاقتصادي في مملكة البحرين، ويدرك أن الأزمة الاقتصادية سوف ترجع البحرين إلى فترة ما قبل النفط إذا لم يضع أصحاب القرار الخطة التي تنجيه من الدائرة السوداء والولوج فيها من غير دراية أو حسبان، فالملف الاقتصادي هو من أهم الملفات لاستقرار الوطن وهو أحد ركائز البلاد كما الملف الأمني. حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، أكد لدى لقائه بعض المسؤولين الأسبوع الماضي أن «الظروف السياسية والاقتصادية تتطلب من الجميع أن يتعاملوا مع التحديات التي تواجه مملكة البحرين بكل حضارة من أجل تحقيق المصلحة العامة والحفاظ على مكتسبات الوطن»، وبالتأكيد هذه الكلمات لم تصدر من جلالته إلا وهو على يقين من أن المجتمع البحريني بتباين ثقافاته ومذاهبه ودياناته يضع أمام أعينه مكتسبات الوطن ويسعى جاهداً لحمايته – ومنهم للأسف عكس ذلك – لذلك هذه الأزمات والتحديات دائماً ما تخلق الرجال والنساء الذين يعتمد عليهم في الشدائد، هاجسهم الوطن فقط، والمواطن البحريني يتطلع إزاء هذه الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، يتطلع إلى كبار المسؤولين في جميع الجهات بأن يبدؤوا بأنفسهم قبل موظفيهم، حتى يكونوا قدوة في تعاطيهم مع هذه الأزمة بشفافية في جميع امتيازاتهم الوظيفية، وأن يتعاملوا مع التحديات بكل حضارة كما أشار إلى ذلك جلالة الملك حفظه الله، فليتخيل الجميع كم وزير وكم مسؤول وكم مدير في الديرة، «وايد»، يساندون التقشف بدءاً من أنفسهم ومن ثم من دائرة عملهم. بعض الجهات تجدها لم تسمع عن شيء اسمه تقشف، والبعض عنده حالة استنفار بعد معرفة الميزانية المخصصة له، ما يريده المواطن هو التوازن في التعاطي مع الأزمة الاقتصادية، «ما يصير جهة تبذر وجهة على البساط»، و«لا يصير أن الحكومة ترفع الدعم شوي شوي والرواتب محلك سر»، فالتناسب لابد وأن يكون معقولاً ويعيه المواطن، بين ارتفاع الحياة المعيشية وزيادة الرواتب، وأرجع مرة أخرى وأقول إن المواطن البحريني هو الاستثمار الحقيقي لهذا الوطن، فالنفط اصبح من عداد الموتى، ولكن العنصر البشري والعقل البشري مازال ينبض بالحياة، من أجل الوطن دعونا نبتعد عن المحسوبية ولنتكاتف على ضرورة أن يكون الرجل المناسب في المكان المناسب، وأن نضع حداً لكل من تسوله نفسه أن يمد يده على المال العام، لا نحتاج إلى أفكار معلبة لا تناسب عاداتنا وتقاليدنا، نحتاج إلى أيدي تتكاتف من أجل الوطن وأن نحقق كما قال جلالة الملك «مصلحة الوطن».