ليس الغرض من هذه المقالة مناقشة جهود الإغاثة لبلدة مضايا السورية، فهو أمر تناولته وسائل الإعلام في تغطياتها، بل الإشارة إلى أن هناك أزمة أخلاق حقيقية حين تغطي وسائل الإعلام جهود الإغاثة بعد فناء الناس من المجاعة، أوتغطي جهود فتح المقابر الجماعية بعد انتهاء عمليات الإبادة الجماعية، أوأن تغطي جهود توطين اللاجئين بعد انتهاء عمليات تهجيرهم بالبراميل المتفجرة، أو تصوير جثة طفل غارق بعد انتهاء معاناته من بلدتهم إلى الشاطئ الحزين. فطوال أشهر سبعة تفشى في مضايا بريف دمشق المرض والموت بسبب حصار قوات النظام السوري و»حزب الله» اللبناني كأسلوب قتالي، بعد أن عجزوا عن هزيمة المعارضة ميدانياً. مما أدخل المدنيين في حالة احتضار رغم أنهم في زمن وسائل التواصل الاجتماعي يستغيثون بألم. وحتى لا تعكر مزاجه، كان العالم يعيد إرسال لقطات جوعهم دون أن يشاهدها. وبعد تكشف فداحة المأساة بدأت مفاوضات ومساومات خبيثة لدخول المساعدات، وبدأت وسائل الإعلام في تغطية الإغاثة، فمن يتحمل المسؤولية!إن من واجب وسائل الإعلام - التي تعاملت مع ما حدث ببدائية - الدفع بحملات إعلامية لمحاكمة المتسبب في جريمة الإبادة والتطهير»Genocide»، وبما أن العالم غير قادر على محاكمة الأسد و»حزب الله»، فالأول غير معترف به، والثاني في قوائم الإرهاب، لا يبقى إلا أن تتم تهيئة المحافل الدولية لإدانة من يشاركهم منظومة القيم الإجرامية نفسها، ويمدهم بالسلاح والذخيرة والمستشارين. فالروس في كل مكان تحلق فيه السوخوي، والتواجد الروسي في سوريا له صفة الاحتلال، بما يعنيه ذلك في القانون الدولي. ويحملها تبعات كل ما يجري في الأرض السورية. فالسكوت الروسي عن استخدام سلاح التجويع ضد المدنيين في الصراعات مجرم من الأمم المتحدة في إطار القانون الدولي. وعلى موسكو ألا تعترض على تشكيل لجنة تحقيق دولية لتحديد المسؤول عن الانتهاكات بأدلة موثقة. ولا نحتاج لتذكير موسكو بحصار مدينة ستالينغراد «فولغوغراد»، حين ركعتها الفيالق الألمانية لمدة ست أشهر في صيف 1942، ووصل صراخ السوفييت طلباً للمدد الغربي عنان السماء. لنبتلي بعدها ببرافدا تصبحنا وتمسينا بمحاضرات عن جريمة الحصار ومآسي المحاصرين الذين أكلوا ورق الجدران. ثم ملفات حصار ستالينغراد كوثائق ادانة بمحاكمات نورنبيرغ 1946-1949 التي استهدفت النازيين. فضياع حق أهل مضايا خيانة لطبيعة الالتزامات التي يفرضها حصار ستالينغراد كجزء من تاريخ روسيا.* بالعجمي الفصيح:في اتفاقية جنيف «يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال، ومن ثم يحظر، توصلاً إلى ذلك، مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها في بقاء السكان المدنيين على قيد الحياة». وفي «تعز» باليمن يدق الجوع بقبضة الحوثيين الهمجية أبواب المدينة المحاصرة.* المدير التنفيدي لمجموعة مراقبة الخليج