يبدو أن وسائل الإعلام الحديثة كـ «تويتر» و«فيس بوك» و«أنستغرام»، وغيرها الكثير ممن يستخدمهم الأفراد بشكل خاص والمؤسسات بشكل عام، ليس لها سقف على مستوى الحريات والطرح، خصوصاً إذا كانوا من يستخدمون هذه الأدوات الإعلامية الحديثة يختبئون خلف أسماء وهمية أو مستعارة، لأنهم بذلك يفلتون من الرقابة القانونية والاجتماعية والأخلاقية، مما يسهل عليهم المهمة في طرح ما يشاؤون وبالطريقة التي يرونها تخدم أجندتهم السياسية والاجتماعية والدينية.هذا السقف المفتوح في عالم الملتميديا الإلكترونية عزز من قدرة الأفراد في طرح كل ما هو ممنوع، مما سمح هذا «الفتح» لهؤلاء بتجاوز أدبيات الإعلام وأخلاقياته، حتى وجدنا بعض تلكم الوسائل عبارة عن منتديات للشتم والسب والقذف والكذب والافتراء والتزييف، وبعيدة كل البعد عن المصداقية والحقيقة والواقع، مما شكل هذا السلوك غير السوي واقعاً مملوءاً بالقلق حيال الحاضر والمستقبل.في الوقت الذي يتمتع فيه الأفراد في العالم المتقدم بقدرات هائلة وصحية حين استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال طرح الكثير من القيم العلمية والمعرفية، نجد الإنسان العربي يتخلف عن ركب هذه الطفرة التكنولوجية باستخدام أدواتها بطريقة سلبية للغاية، حتى خُيِّل إلينا أن «تويتر» - على سبيل المثال - عند العرب هو المُعادل الحقيقي للكذب والتزوير وطمس الحقائق، كما كَشَفَ لنا قدرتنا على نشر بشاعتنا في ضرب دولنا ومجتمعاتنا الآمنة من خلال التشويش على الواقع، ولربما ساهم الإنسان العربي من حيث يدري أو لا يدري بهذا القدر المهول من الخداع والتضليل.وسائل التواصل الاجتماعي هي كغيرها من الوسائل العلمية والتقنية الحديثة التي لم نحسن استخدامها في عصرنا الراهن، وبدل أن نستثمرها في بناء مجتمعاتنا وتنمية قدراتنا لمواجهة صعوبة الواقع وتحدياته، قمنا بتحويلها إلى ساحة للتهريج والشتائم والأغراض السياسية الرخيصة، مما يعني أننا فوتنا على أنفسنا الكثير من الفرص الحقيقية التي من خلالها نبني أفراداً يتمتعون بدهاء العلم ومؤسسات قادرة على مواجهة التحديات، فأضعنا الكثير من الوقت في شتم بعضنا والسخرية من المجتمعات المتحضرة وتعييرها بالعلمية بدلاً من تجاوزنا لجهلنا المركب.لا نريد ولا ينبغي لنا أن نجلد أنفسنا، لكننا لا نستطيع تجميل الواقع القبيح في عالم وسائل التواصل الاجتماعي، بل نحن نطرح الحقائق من أجل مجابهتها ومن ثم معالجتها، حتى وإن كانت حقائق صادمة ومؤلمة، فعدم استغلالنا لأبرز وسائل الإعلام الحديثة بشكل سليم، يعني عدم قدرتنا في استيعاب أهم أدوات العصر، مما سيخرجنا هذا الأمر من العصر نفسه ومن التاريخ أيضاً، فالواقع لن يرحمنا لو جلدنا أنفسنا عبر ثقافتنا الإعلامية الهشة لا عبر مقال يكشف زيف واقعنا المر.لا نريد أن نعمم في هذا السياق حتى لا نقع في المحذور العلمي، لكن لا يعني وجود أشخاص قلائل من العرب في عالم الملتميديا الحديثة ممن يستخدمون أدواتها بطريقة إيجابية وفاعلة، يبرر لنا صمتنا على أغلبية لا تجيد استخدام هذه الأدوات، وهنا تكمن كل المشكلة التي نختصرها في كلمة «التغليب» لا غير، لنكون أكثر حيادية في الحكم على واقعنا البشع، وتحفيزاً لنا كي نستخدمها في الطريق الصحيح.
Opinion
إساءة استخدامنا مواقع التواصل الاجتماعي
23 يناير 2016