تحتاج دول مجلس التعاون إلى رفع وتيرة التعاون والتنسيق البينية لتتمكن من مواجهة مشروع إسقاط الدولة وتقسيمها الذي تتبناه قوى عظمى تحت مسمى «الشرق الأوسط الجديد».تنسيق وتعاون لا على مستوى الحكومات فحسب بل الأهم على مستوى مؤسسات المجتمع المدني، وهو أهم لأن القوى العظمى تتدخل في شؤوننا الداخلية بذريعة تعاونها مع من يدعي أنه يمثل «الشعوب الخليجية» وهم الجماعات الدينية المنظمة والتي تحمل مشروع دولة بحد ذاتها، في وقت غاب فيه صوت الغالبية الصامتة من الشعوب الخليجية لعدم قدرته على التنظيم والعمل المؤسسي مثل تلك الجماعات.لهذا فإن صوت المجتمع المدني الذي يمثل الغالبية العظمى غير المسيسة وغير المحزبة يجب أن يتواجد وأن يعلن عن نفسه محلياً ويتواصل بعد ذلك دولياً، كي يعرف العالم كذبة ادعاء احتكار علامة التمثيل الشعبي عند هذه الجماعات.لذلك فإن مؤتمر «حقوق الإنسان بدول مجلس التعاون» الذي نظمته جمعية «معاً» البحرينية لحقوق الإنسان ودعت له منظمات حقوق الإنسان في دول مجلس التعاون والذي عقد أمس في المنامة يصب في هذا الاتجاه، أي في اتجاه بلورة الجهود الخليجية المدنية وجمعها والتنسيق فيما بينها.تبادل المعلومات والخبرات في كتابة التقارير والرد على التقارير الدولية بل حتى التحرك الجماعي فيما بينها محلياً ودولياً مع المنظمات الحقوقية ومع مجلس حقوق الإنسان يحتاج إلى تمرس وتراكم خبرات وشبكة علاقات عامة وتواصل مستمر، تفتقده المنظمات الحقوقية المدنية الجديدة التي تولدت في الآونة الأخيرة تماماً مثلما تحتاج أن تتعلم الاستقلالية عن الحكومات وأن تتعلم تخدم الملف الحقوقي بمهنية وبتجرد مثلما تتعلم أن تدافع عن سيادة الدولة واستقلاليتها.فالدول الخليجية كحكومات وأجهزة معنية بتطبيق القانون وكذلك دول الخليج كمجتمع مدني بمؤسساته وأفراده بل حتى على مستوى قيادة المجتمع الشعبية تحتاج أن تتعلم وتستفيد وترقى بالمنظومة الخليجية الحقوقية ممن سبقوها في هذا المجال من المجتمع الدولي وراغبون في مساعدتها دون تدخل قسري ودون ضغوط ودون اتخاذ الملف الحقوقي قميصاً عثمانياً لخدمة أغراض وأهداف سياسية، ودون أن يكون الإنسان في هذا الملف من جنس معين أو دين معين أو مذهب معين أو تابع حزب سياسي معين، وألا تكون هذه المؤسسات الحقوقية الجديدة قد وقعت في نفس المطب الذي وقعت فيه من سبقها وسقط في مستنقع التسييس الحقوقي. تسييس ملف حقوق الإنسان دولياً جريمة خيانة في حق الوطن حين تسخر التقارير لخدمة أهداف وأغراض سياسية لجماعة محددة تحاول تمكن نفسها سياسياً عن طريق تقارير منحازة وتقارير تصد سمعها وبصرها عن معاناة إنسان أو لا تجهد نفسها في تحري روايات توردها في تقاريرها أو تدعي عدم علمها بأي تطور في المنظومة الحقوقية، تلك المهنية القاصرة عن عمد وسبق إصرار وترصد جريمة في حق الوطن، والأهم أنها جريمة في الإنسان الذي تدعي تلك المنظمات أنها معنية بحقوقه وأنها تشكلت للدفاع عنها.المنظمات الخليجية الحقوقية التي اجتمعت في المنامة أمس تحتاج منا كل الدعم كي تتمكن من القيام بمهمة الارتقاء في العمل المهني المؤسسي الحقوقي وتتمكن من تمثيل المجتمع المدني الخليجي دولياً، تحتاج الدعم نظراً لما ستواجهه من تهم تضرب في مصداقيتها وفي نزاهتها وحياديتها في الإعلام وفي التمثيل الدولي فهي تشكل خطراً على تلك المنظمات المشبوهة التي احتكرت التمثيل الشعبي لسنوات حين كانت الساحة خالية إلا منها.لهذا فإن هذه المنظمات لابد أن تتحلى بالصبر والثبات وتعلم أنها في الوقت الذي تعمل فيه على الارتقاء بمنظومة حقوق الإنسان في دولنا الخليجية فإنها أيضاً تدافع عن استقلاليتها وسيادتها وحقها في منع التدخل في شؤونها، بل وتقف حائط صد أمام من اتخذ المعاناة الإنسانية ذريعة وحجة لفتح الباب أمام الاستعمار الجديد.
Opinion
تعاون الخليجيين في مواجهة القوى الناعمة
24 يناير 2016