كما إن هنالك الكثير من المحرضين المحليين في الوطن العربي من الذين يُشيعون روح الفوضى والإحباط في أوساط المجتمعات العربية، هناك في المقابل الكثير من السياسيين الذين يحرضون الأنظمة السياسية على اتباع سياسة العداء لكل الدول الأخرى، مما يجعل دولهم تعيش في دوامة العنف والقطيعة مع بقية الدول والأنظمة.المحرضون المحليون والخارجيون كلهم يشتركون في صفة مشتركة واحدة، وهي، أن مصالحهم الشخصية يجب أن تكون فوق مصالح دولهم، كما إنهم يفتقرون لأدنى مقومات العقلانية السياسية، ولهذا نجدهم لا يكترثون باستقرار مجتمعاتهم ولا بازدهار دولهم.نحن نتبنى الطرح المتوازن في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ المنطقة العربية، فالإقليم على فوهة بركان لن يرحم لو قذف حممه إلى خارجه، كما إن الوضع السياسي الخطير يرشدنا إلى احتمالية وقوع كوارث عنيفة لو لم يتم تحييد المحرضين ومجانين السياسة وكل الدافعين بالقضايا الدينية والمذهبية التي من شأنها أن تفتك بالبشر في هذه المنطقة نحو العنف، ولهذا نحن دائماً ما ندعو إلى تقريب وجهات النظر السياسية حتى مع الدول التي نختلف معها في الكثير من القضايا المصيرية، فكيف بالدول التي نقترن معها في الجغرافيا والدين واللغة والتاريخ؟كلما زادت جرعات المحرضين ضدنا أو حتى ضد الدول الأخرى من بعض أنصاف الإعلاميين والسياسيين وغيرهم، يجب علينا في المقابل أن نرفع من منسوب التريث والحكمة واستعمال كامل العقل، فالمخاطر العسكرية والاقتصادية والأمنية جراء «شراسة» المواقف السياسية وحدِّيتها سترتفع بارتفاع وتيرة الكراهية، وعليه سوف تكون ردود الأفعال الخاصة بهذا الأمر أكبر من المتوقع، وستتجه الدول إلى جهة الحروب العسكرية الطاحنة دون الرجوع إلى طاولة المفاوضات السياسية، والسبب في ذلك هو تحريض بعض الإعلاميين والسياسيين غير المحنكين على خط العلاقات الدولية.ما نريد التأكيد عليه هنا هو أننا لا ندعو إلى أن تتراخى الدول العربية في مواقفها ضد كل الدول التي تريد النيل من عروبتها وكرامتها ومصالحها أو أن تتقبل الانصياع للدول التي لا تريد الخير لها، لكن هذا لا يبرر الانصياع لمن يقرع طبول الحروب بشتى أصنافها، فالحرب آخر الكي وليس أول الحل، فالطرق والمسالك السياسية أكثر من أن تُحصى على طريق بناء الأوطان، ولهذا لا حاجة للدول العربية أن تتجه صوب الخيارات العسكرية ما دامت هنالك نوافذ أمل لكل من يستطيع تقريب وجهات النظر السياسية مع كل الأطراف والأطياف، فالحرب ليست نزهة، كما إن السياسة ليست لعبة.نحمد الله تعالى أن الكثير من عقلاء العرب هم من يديرون السياسة الدولية لدولهم، وإلا لكانت المنطقة مشتعلة منذ سنين، وهذا يدل على أن المحرضين مهما قالوا وحرضوا على المشاكسات حتى مع الدول العربية الصديقة فإن «الفلاتر» مازالت قوية ومتمنِّعة على أن يخترقها أي صوت أهوج أو شاذ في منطقة تعيش على برميل نفط قابل للانفجار، فالعقلاء يجب أن يوحِّدوا مواقفهم الوطنية الصادقة في مقابل الكثير من المجانين والمتسلقين فوق ظهر هذه الأزمات، فالأوطان أمانة في أعناقنا.