كما هو متوقع، سقط الاستجواب الذي لوح به أعضاء مجلس النواب بالأمس، ما يعني أن هذه حالة جديدة تسجل لم ينجح فيها النواب في استخدام أدواتهم الدستورية المتاحة، والمفارقة أن النواب أنفسهم تقدموا بطلب الاستجواب وأنهم بأنفسهم أسقطوا الطلب، بغض النظر عن المواقف المتباينة لمن وافق أو اعترض أو امتنع أو حضر متأخراً أو لم يأت للجلسة. عموماً، الفكرة من استخدام الأداة الدستورية المعنية بالاستجواب لا تعني بالضرورة الوصول للنقطة الأخيرة المعنية بطرح الثقة، إذ هناك حالات سابقة سجلت في تاريخ عمل المجلس تم فيها استجواب وزراء وانتهى الاستجواب بتقديم إجابات شافية ومفصلة وإيضاحات، أي أن الوزير لم تقدم فيه توصية بحجب الثقة، بل تم شكره على التعاون وتقدير جهوده في بيان مزيد من المعلومات. الفكرة هنا بالنسبة لنا كمواطنين لا تتعلق بتغيير وزير أو العمل على ذلك، وكأنه استهداف له، بل الهدف من كل هذه الأمور يتمثل في الحصول على مزيد من المعلومات، والاستفاضة في الشرح والتفصيل، وإن كانت من ممارسات سلبية تبدل محلها إيجابية، مع ضرورة التمثل بالدور الرقابي والمحاسبي للمجلس، إذ أفراد السلطة التنفيذية إن لم يحسوا بنسبة عالية من «الجدية» في شأن الرقابة والمساءلة والمحاسبة، فإنه بالضرورة سيؤثر ذلك على الحرص في العمل وتوخي الحيطة والحذر من الوقوع في الأخطاء. كمواطن كنت أسعى للحصول على إجابات أشمل وتفاصيل أكثر بشأن ملفي الميزانية والنفط. أريد أن أعرف الظروف التي تواجهها المملكة بتفاصيلها بشأن كيفية التعامل مع ملف الدين العام والبدائل المقترحة والخطة التي ستطبق لتضمن بأننا نسير في مسار سليم، لا يستوجب خيفة من المواطنين، خاصة وأن وزير المالية أوضح في البرنامج التلفزيوني أن هناك تصرفاً بحكمة في إدارة هذا الملف بحيث لا يتأثر المواطن، وعليه من المهم لدي أن أحصل على مزيد من التطمينات في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها. نعم، هناك أداة دستورية لدى النواب ممثلة بالأسئلة التي تقدم للوزراء، وفيها أخذ ورد، لكن لو كانت المسألة تعدت ووصلت للاستجواب، فإن الإجابات ستكون أكثر على أسئلة عددها أكبر، ولربما أزلنا الغموض الذي مازال يسود الشارع بشأن هذا الملف، ويفرز مزيداً من الأسئلة لدى المواطنين. وعليه، فإننا نطلب من وزير المالية المزيد من الجهد في سبيل توصيل الصورة بشكل أوضح للناس، نعم هو قدم ملامح عريضة ومتشعبة في اللقاء التلفزيوني، وحاول طمأنة الناس، لكن مازال المواطن لديه أسئلة حائرة تتعلق بوضعه المعيشي، وحبذا هنا لو تطمئنون الناس على وضع مداخيلهم وكيف سيكون التعامل بسياسة التقشف وضبط الإنفاق دون تأثير عليهم. أما بشأن النفط، فالأمر يحتاج لإجابات على تساؤلات محددة، لعل أبرزها المعني بشأن إمكانية وجود تعويضات على غرار ما حصل في موضوع النفط، يضاف إليها تساؤلات بشأن السيناريوهات المستقبلية المتوقع اتخاذها في حال تدنى سعر النفط أكثر، أو على العكس عاد لينتعش ويرتفع. نريد إيصال رسالة من هذه السطور، مفادها بأن الشعب البحريني ليس عاشقاً لـ «السجالات» على حساب وقته ومستقبله، بالعربي الفصيح نقول إن أي شد وجذب بين النواب والحكومة بما يفرض إطالة العمل في ملفات معينة له انعكاسات سلبية تطال الناس، إذ الوقت اليوم ليس لصالحنا، بل يتوجب كسبه بأي طريقة. وعليه، كما قلت بالأمس، ماذا سيفيدني الاستجواب إن كان هدف البعض هو طرح الثقة في الوزراء، وبعضهم يعمل في ظل ظروف خارجة عن إرادته ويفرضها عليه الواقع، وإن كانت من مسؤولية يتحملها بسبب طريقة عمل معينة أو سياسات لم تحقق أهدافها، فإن تبديل الوجوه لن يحقق شيئاً. لكن لو كان الاستجواب هدفه الوصول لمزيد من الإجابات، والخلوص لاتفاقات فيها ضمان للناس بألا يتأثروا من الإجراءات المستقبلية، وفيها اتفاق على العمل معاً واقعاً وفعلاً لا قولاً من قبل السلطتين لحماية الناس وحماية اقتصاد البلد، فلن يكون حينها السائل والمسؤول في العملية إلا رابحاً في نظر الناس، كونه أفصح وأجاب عن الأسئلة الكثيرة المتناثرة. رجاء للإخوة في مجلس النواب، البعض للأسف يعمل وكأنه يهمه من العملية الإعلام والظهور للناس بمظهر من «أدى واجبه»، والبعض يعمل وكأن الناس في آخر اعتباراته، نقول لهم رجاءً غيروا هذا الأسلوب لتتغير معه الصورة النمطية التي ترسخت في ذهن المواطن عنكم. والله الناس لا تريد منكم إلا عملاً جاداً يخدمهم، وهي بالتالي تحسب عليكم أصغر الصغائر، ولا تفوت ولا ترحم، ومن حق الناس أن يحاسبوا من انتخبوهم ليمثلوهم. ورسالة للحكومة بأننا نؤمن بكوننا في قارب واحد، وأن الوقت عصيب والظروف صعبة، لكن الرجاء الحار هنا بأن يكون المواطن نصب أعيننا في كل شيء، والله المواطن البحريني يستحق كل الخير، وأنتم أعلم بمعدنه الأصيل. وفق الله الجميع للعمل بالطريقة التي تخدم بلادنا الغالية وأهلها الطيبين.
Opinion
سقوط الاستجواب.. ورسالة للنواب والدولة
27 يناير 2016