الرأي

معشوقتي البحرين ( 1 )

رسائل حب

يخاطبني البلبل الصداح مع إطلالة فجر الحب بترانيمه العذبة وطلته البهية.. يخاطبني بفصول الجمال وألحان المحبة والمودة.. يبث رياحين الحب في كل مساحة ترفرف فيها أجنحته الجميلة.. كنت ومازلت أحب أن أخاطب هذا البلبل الذي يمثل لي الشيء الكثير، ويغرس في شراييني الأمل الدافع للخير.. الأمل الذي يسري في عروقي كسريان الدم.. يجدد في نفسي معاني الحياة الجميلة، وصور السعادة الحقيقية.. ما أروعك صديقي البلبل.. تجدد في نفسي كل صورة غابت عن ذهني منذ زمن بعيد.. فأنت الأصيل في ترانيمك وأحاديث الود التي تتحفني بها كلما مررت على أطياف قلبي..
صاحبي البلبل الصداح يُحب معشوقتي الصغيرة «البحرين»، ويهوى نسماتها والتحليق في سمائها والارتواء من مائها، واستنشاق عبق ذكرياتها الجميلة.. فكان الحديث الأول معه.. حديث «الوطن» الجميل الذي نعيش فيه ويعيش في قلوبنا وداخل نفوسنا..
أسمعني صاحبي أنشودة جميلة لطفولة قد مضت بين أروقة فرجان المحرق الجميلة.. فطفت معه مساحات تلك الفرجان الجميلة.. أوقفته وسردت له ذكرياتي فيها.. هنا كان بيتنا الجميل الذي ولدت فيه وترعرعت بين جنباته.. ورضعت من رحيق الحب من والدي العزيزين رحمهما الله.. هنا كان بيتنا جمعتنا فيه أجمل الذكريات مع إخوتي وأخواتي.. ضحكنا معاً.. لعبنا وهمسنا وارتوينا من بحر الحب العميق.. هنا كانت مساحات الصحبة التي لعبنا فيها ألعابنا الحلوة.. وهنا بيت الجيران.. كنا ندخل إليهم بلا استئذان لأنهم أهلنا وأحبابنا.. وهنا كان ملعبنا الصغير نلعب فيه مع الرفقة والأصحاب..
استوقفني صاحبي البلبل.. ليعزف معزوفة الوطن الصغير «البيت العود» والفريج.. لأنه يعشق هذا الكيان الجميل.. استمتعت كثيراً بهذا المشهد الجميل وبهذه الكلمات العذبة التي روت مشاعري وفجرت في نفسي ينابيع الحب.. التي اختفت مكامنها يوماً ما في خيال الوطن..
انتقلنا بعدها إلى تلك الواحات العطرة التي كنا نرتوي منها معين الخير، ونقدم من خلالها باقات الود والمحبة والعطاء لكل الناس.. صاحبي البلبل أصر أن يطل على هذه الواحات من فوق تلك النخلة الباسقة ليستمتع بالمشهد الرائع لها بثمارها ومائها الساكن الرقراق.. سألني وهو يصدح بصوته العذب بحروف منهل القرآن، وصور الخير والعطاء والوفاء.. يا ترى ما سر جمال هذه الواحات.. وكيف نشأت وصارت بهذا الجمال وهذا الحب المتدفق فوق رمالها.. قلت له: الخير يا صاحبي لا ينقطع.. وبذرة صغيرة تبذرها يوماً.. لعلك تنساها لفترات.. ولكن الميدان الذي غرستها فيه لن ينساك.. والملك المكلف بك.. قد سطرها في صحيفتك.. فغدت اليوم كما ترى.. وفي الغد ستكون أجمل مما تتوقع.. يقطف ثمارها اليانعة كل من ارتوت نفسه من معين الحب والخير والهداية.. وفي الغد.. عندما تفتح صحيفتك عند الملك الديان.. ستجد تلك البذرات كيف جملت صحيفتك ورفعت من منزلتك.
استمر البلبل في التأمل وهو يرفرف بجناحيه فوق هذه الواحات.. وتساءل: ما هو السر يا ترى؟ أجبته السر يا صاحبي هو قلبك الصغير المحب للخير.. المحب للعطاء في وطنه.. المخلص لعمل يعمله.. يبتغي من ورائه رضا الرحمن الرحيم.. السر يا صاحبي بأن يكون قلبك مثل الماء الزلال النقي متعلقاً بما عند مولاه من خير..
استغرب البلبل من هذا النماء الحقيقي لساحات وطني ومعشوقتي الصغيرة «البحرين».. كيف نمى الخير بين جنباتها.. وكيف تعيش تلك الباقات الجميلة على أرضها.. تعشق الخير وتنثر الحب.. وتشتاق لحياة الأجر وديمومة العطاء وبصمات التحدي.. لم يتركني وطلب مني أن أنتقل معه في مساحة أخرى من البحرين حبيبتي ومعشوقتي.. فقررنا أن ننتقل بين منطقة وأخرى لننعم بأمن الوطن وأمانه واستقراره.. ذلك المواطن الطاعن في السن ارتسمت على تجاعيد وجهه تعب السنين.. يمد يده إلى صديق عمره في مزرعته ليجدد معه حب هذه الأرض الطيبة.. يعتني بمزرعته.. ويرويها من ضمير حبه لوطنه.. يحافظ عليها كما يحافظ على أنفاسه وصحته.. فهو وطنه الذي رباه ورعاه وترعرع بين جنباته.. لا يقبل أبداً أن يمس ولو بوخزة إبرة عابرة.. فهذا الألم البسيط لا يحتمله أبداً.. لأنه عاش من أجل أن يبث الحب والخير على أرض جمعت الجميع وأعطتهم حبها وأمنها وأمانها.. ومضت معهم لصناعة أجيال تصنع الخير وتشيد بناء العطاء والازدهار.. فنعمل من أجل أن تثمر تلك المزرعة ثمار الخير يشارك الجميع في قطفه والتلذذ بنكهته.
طلب مني البلبل التوقف حتى يصيغ أهازيج الحب من جديد، ويعيد ألحان معزوفته في حب الخير للنفس والوطن.. أهازيج لها الصدى الكبير في إعادة روح السعادة إلى نفوس من فقدها.. واختفت ملامح نفسه أمام من استرق أحلامنا الجميلة.. وعبث بأمجاد الوطن ودروبه.. أحبك يا بحرين.