اليوم الجمعة، وأول ما يتبادر إلى الذهن في هذا اليوم المبارك، هو خطبة الجمعة وخطيب الجمعة ورجل الدين المختص بنشرات المواعظ على شاشات التلفزيون في يوم الجمعة، إذ أن هذا اليوم هو اليوم الذي يعنى بشؤون المسلمين وقضاياهم وهمومهم وعبادتهم ومسيرتهم وسلوكهم، ولهذا يحتوي على الكثير من الفوائد والفتاوى الدينية التي يجب أن ينتفع بها كل المسلمون في بقاع الأرض. وبما أننا نتحدث عن الجمعة وخطيبها ورجل الدين والمفتي، يكون من الضروري أن نؤكد على أهمية أن يتمتع كل أولئك بالكفاءة الدينية والخُلقية التي تؤهلهم لنيل هذه المناصب الدينية الحساسة، والتي من المؤكد أنها تشكل نسبة كبيرة من وعي المجتمعات وممارساتهم الحياتية، لكن يبدو أن عملية اختيار خطباء الجمعة وتصدر الفضائيات من أجل الإفتاء من طرف الكثير من رجال الدين المبتدئين والمؤدلجين لم تتم بعناية كافية، ولهذا نجد الكثير من هؤلاء الخطباء - من كافة المذاهب - يقعون في الكثير من المطبات الخطيرة التي ربما تودي بمجتمعاتنا إلى القاع، سواء كان ذلك بحسن نواياهم أو بسوئها، فالمتلقي الذي لا يملك نسبة كبيرة من الوعي أو يفقد «الفلاتر» التي تنظف ما يتلقاه من فتاوى أو أحاديث دينية ضعيفة وما إلى ذلك، يتعرض لأشد أنواع «غسيل الدماغ» من تحت منبر الجمعة ومن أمام شاشات التلفزيون، وهذا الأمر الذي يجب أن تلتفت إليه الدول ودور الإفتاء المعتمدة ومراكز البحوث الإسلامية الرصينة وعلماء الدين الكبار المعتدلين، حتى لا نخسر هذا الجانب المهم في مسيرة منبر الجمعة وخطيبها. إن انحراف بعض خطباء منابر الجمعة من خلال خروجهم عن قواعد الخطبة الوعظية والإرشادية، وكذلك خروج بعض رجال الدين عن الفتاوى الدينية الرصينة في الفضائيات الدينية، يؤكد لنا أن هذه الأدوات باتت مختطفة من طرف المتطرفين في عالمنا الإسلامي، بل باتت موظفة بشكل مريع لأجندات سياسية مشبوهة، حتى أن تلكم الأدوات أضحت مخصصة للشتائم والتحريض على الإرهاب تارة، وتارة أخرى محرضة على الكراهية والعنف، وسَوْق الفتاوى الغريبة عن روح القرآن الكريم والشريعة السمحاء، مما أفقد هذه الأدوات جمالياتها ورصانتها بسبب إعطاء «الرخص» لكل من هب ودب لارتقاء منبر الجمعة وتصدر المشاهد الدينية والإفتائية عبر الفضائيات الإسلامية! يجب على الدول العربية والإسلامية أن تضبط هذا الجانب المهم والحساس والمؤثر في تشكيل وعي المجتمعات الإسلامية المتدينة بطبيعتها الفطرية غير المتكلّفة، وأن تضع بعض الالتزمات والحدود لخطباء الجمعة وللإفتاء كذلك، ومراقبة هذا الوضع من طرف جهات دينية عليا لها وزنها في العالم الإسلامي، من أجل تفويت الفرصة على كل من تسول له نفسه العبث بالشعائر الدينية الواضحة واستغلال المنبر الديني بشكل يخدم مصالحهم السياسية والأيديولوجية، بل يجب إعادة خطبة الجمعة إلى مسارها الصحيح، واسترجاع بقية دور الإفتاء والفضائيات المخصصة لذلك من أيدي المراهقين والمشبوهين الذين يتسترون بعباءة الدين والسياسة. فالإسلام أنقى من أن يعبث به الغوغاء، ويوم الجمعة هو المنطلق الحقيقي للفضيلة وحسن الخلق، وكفى به واعظاً.