لوحظ في الآونة الأخيرة، الارتفاع الهستيري لأسعار الكثير من المنتجات الغذائية والاستهلاكية، إضافةً إلى أسعار الخدمات بمجملها، الأمر الذي يضعنا في حيرة، لدرجة تشعرك أن الجهات المانحة للخدمة تدخل في مزاد علني، والمتضرر المباشر هو المواطن الذي لا يعرف دخلاً سوى راتبه الشهري.كعادتي دخلت «السوبرماركت» واخترت ما يلزم من احتياجات البيت والأطفال، وبالكمية المطلوبة كالعادة، ولكن السعر لم يكن كما جرت العادة! وكان كلام أمينة الصندوق بمثابة المنبه الذي يعطيك جرعة نشاط بعد نهار متعب طويل، وتطلب مني تقريباً مضاعفة المبلغ الذي كنت أدفعه في السابق!فسألتها مبتسمة: هل الأسعار تغيرت إلى هذا الحد في يوم وليلة؟ ردت: «نعم يا سيدتي فكل المنتجات تمت إعادة تسعيرها، بسبب الغلاء الحاصل في المنطقة». توجهت إلى بائع الخضار القريب من البيت لأفاجأ أيضاً أن السعر المطلوب أعلى من الكمية المتوقعة التي اشتريتها! السيدة التي تعمل الحلوى في بيتها هي أيضاً أرسلت قائمة بالتسعيرة الجديدة، مكتب عمال التنظيف أسعاره بدون تردد في العلالي، وأما آخر المزايدات وليس آخرها بالطبع لأن كابوس هذا المزاد لم ينته بعد، خبرٌ قرأته في إحدى الصحف أن مدربين السياقة سيضاعفون قيمة حصة التدريب. ونشكر لهم تعاونهم، فقد سهلوا علينا العمليات الحسابية لتصبح قيمة الحصة من 5 إلى 10 دنانير أي فقط الزيادة 100%. فليس الموضوع هو فقط في ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة ولكن المنتجات المحلية والمنزلية الصنع؟ أنا للحقيقة لدي وجهة نظر شخصية وخاصة في الموضوع، الأمر الذي يدفعني أن أحمّل الناس صراحة مسؤولية كل هذا الغلاء، والسبب يعود لانعدام الثقة بالمنتجات المحلية إلا ما ندر! وأصبح النظر فقط إلى الإشباع النفسي من المنتجات الأجنبية المستوردة! والتي لا أعتقد أنها تسعر بالطريقة المرضية لأغلبية الفئات في المجتمع. وهنا أستشهد بقصة سمعتها من إحدى الصديقات الأوروبيات، في حقبة من الزمن تم الإعلان عن مصنع لبيع الملابس الفاخرة في إحدى القرى الأوروبية بأسعار مرتفعة جداً، أي أن أعداداً قليلة كانوا هم من سيتمكنون من الشراء منه. فتوجه رئيس بلدية المنطقة وتكلم مع صاحب المصنع بالحسنى، وعرض عليه أمرين: «إما أن يقدم منتجاته بالسعر الذي يتوافق مع ميزانية أبناء البلدة أو أن ينقل محله إلى مكان آخر». استهزأ صاحب المصنع لما سمعه، ورد عليه بما معناه: «نحن لا يهمنا الكمية وإنما النوعية»، وإن كان مبرره منطقياً بسبب جلب الأيدي العاملة ومستلزمات التشغيل فهي السبب للأسعار المرتفعة، فما كان من أعيان البلدة إلا أن تضامنوا مع أبناء بلدتهم، وأعلنوا المقاطعة لمنتجات المصنع. فاتحاد الجميع وتصرفهم الإنساني بأسلوب حضاري راق غير عشوائي أرغم المصنع على تقديم منتجاته بما يتوافق مع الجميع واستعان بأهالي البلدة للعمل به!والسؤال الذي يطرح نفسه: عندما تتقدم شركة أجنبية بفتح أفرع لها داخلياً إلى أي مدى يتم دراسة حالة السوق وحالة الميزانية الفردية؟ للأسف فإن المنتجات المحلية لا تأخذ حقها كما إن سكوت الجميع على الأسعار المرتفعة للخدمات المقدمة خاصة الترفيهية منها سمح للشركات الأجنبية أن تسعر وفقاً لما يقتضيه «حوت الربح» لديها وليس بما يتوافق مع «متوسط دخل الفرد».فإن كنا سمحنا للمنتجات المستوردة بأنواعها أن تنهش في جيب المواطن لماذا نحن لا نتعلم أن نحابي بعضنا بعضاً؟
Opinion
مين يزود؟!
29 يناير 2016