بداية سأؤكد على نقطة هامة هنا، كنت أكدت عليها قبل شهور، حينما شاهدنا رفع شكاوى من قبل النواب على عدد ممن أساؤوا لهم على مواقع التواصل الاجتماعي، والنقطة هنا معنية بأنه لا يوجد إنسان سوي يقبل بأن يطاله الشتم والتعرض له بألفاظ ونعوت بذيئة أو يطعن فيه وفي شرفه، ويقف متفرجاً ساكناً. وعليه فإن من يتعرض لمثل هذه الأمور، بغض النظر إن كان نائباً أو شخصاً عادياً، فمن حقه اللجوء للقضاء لأخذ حقه، لأننا لو قبلنا بالشتائم والسباب وقبيح الكلام وصنفناها على أنها «حرية رأي»، فعلى كل رافض لوضع حد للانفلات اللفظي هذا، أن يقبل ممارسته عليه، بحيث يشتم في شخصه وأهله.لا أحد يقبل، وعليه فإننا علينا أن نستوعب ما يعنيه مصطلح «النقد»، والذي هو حق مكفول، ولاستمرار أن يكون تحت مظلة القانون عليه أن يتجرد مما يشوهه، وما يحوله من نقد أدبي راق في هدفه مترفع في ألفاظه، إلى شتائم وسباب لا يمكن أن يكون لغة يستخدمها الإنسان المتحضر. النقد يمكن أن يكون قاسياً وموجعاً حتى من دون استخدام ألفاظ التحقير والتصغير والسباب والشتائم، ولا الحط من النفس البشرية والانتقاص من الرجولة، النقد يمكن أن يكون كما السكين التي تقطع بحدة، لكن دون اللجوء للطعن وغرسها في اللحم مباشرة. وعليه إن كان النواب الذين رفعوا دعاوى قضائية قد رفعوها على حالات تضمنت الإساءة اللفظية الواضحة والصريحة بحقهم، وإن كان ما كتب يدخل في إطار القذف والتشهير والنيل من السمعة والأعراض، فلهم كل الحق في ذلك، ويتساوى معهم في الحق أي شخص يتعرض لمثل هذه الممارسات. لكن إن كان هناك حالات «شملتها» الدعاوى، بالبحث في مضامين ما عبرت عنه من آراء وانتقادات لا تدخل في إطار الكلام غير اللائق أو المحترم، فإننا سنكون هنا أمام عملية «خلط» خاطئة نساوي فيها الشاتم بالمنتقد، وشتان بين الاثنين. فقط أرجو الانتباه هنا، بأننا لسنا نتحدث عن حق النواب فقط في المسألة، بل أكرر التوضيح للمرة الثالثة بأن من حق كل إنسان أن يقاضي من يشتمه ويتطاول عليه، وتذكروا «النقد» في حدوده الأخلاقية ورصانته، ليس يعني توجيه «الشتائم» أو «السباب» أو حتى الوصف بـ«انعدام الرجولة»، والأخيرة وللأسف أشك بأن من يطلقها على النواب يقبل بأن توجه له شخصياً. في المقابل حرية التعبير لا يجب أن تمس، والانتقاد يجب أن يكون مكفولاً، نحن في الصحافة - ويعرف الإخوة النواب هذا الشيء جيداً - منذ أن تأسس المجلس ونحن نرصد شعارات النواب الانتخابية ونرصد حراكهم، وكتبنا عشرات المقالات التي فيها نقد قاس وقوي ولاذع بحق النواب المختلفين، منهم من تبدل ومنهم من مازال موجوداً، لكن مع هذا الكم من الانتقاد نتحدى بأن يجد النواب لفظاً أو مفردة أو تعبير أو وصفاً فيه «شتم»، أو «تحقير»، أو «انتقاص أخلاقي»، أو تعرض شخصي لهم، فالنقد لا يجب أن يتحول إلى «قلة أدب»، حتى يكون نقداً مؤثراً، بل النقد الصحيح هو الذي يقارع الحجة بالحجة، وهو الذي يأخذ على المسؤول أو ممثل الشعب تصريحاته ووعوده ويقارنها بأفعاله، وإن أخلف، فمن الحق أن يقال له بأنك أخلفت وعودك، بل من المكفول أن يقال له بأنك «كذبت» علينا في شعاراتك، وأن نقول له بأنك خذلتنا، أو لم تكن أهلاً لأصواتنا، أو حتى القول له بأنك «خنت» أمانة ثقتنا بك، ولا يعد هذا شتماً وقذفاً. من يشتم عليه أن يعي بأنه لا يقوم بفعل صحيح، ولا يمكنه أن يصحح الخطأ بخطأ أكبر منه، وكيل الشتائم صفة الإنسان ضعيف الحجة، وفقير الأخلاق، ونحن نربأ بالمجتمع البحريني أن تكون هذه صفاته، بل العكس، وما يؤكد ذلك أن المرصود حالات فردية وليست ظاهرة جماعية. في المقابل، على النواب أن ينتبهوا لمسألة هامة هنا، فمع عدم التبرير لمن يتطاول فيما يكتبه، إلا أن موجة الاستياء الحاصلة لدى الناس لابد وأن يتوقفوا عندها. فأحياناً الحليم يغضب، وأحياناً رفيع الأخلاق تفلت منه كلمات بذيئة إن فقد السيطرة على نفسه، وعليه فإنكم مطالبون بالبحث عن الدوافع والأسباب التي تجعل الناس تمارس نقداً متواصلاً قاسياً ومن ضمنه حالات تصل لدرجة التطاول.لا أعتقد بأن عملية البحث ستأخذ الكثير، ولا أعتقد بأنها تحتاج لفك شفرات، الناس تستاء وتصل لمستوى متقدم من الاستياء حينما يتم خذلانها، وحينما تصاب بخيبة أمل أو تتبخر آمالها، خاصة وإن كانت مبنية على وعود أصحابها فشلوا في تحقيقها أو تراجعوا عنها. النواب الكرام، غالبيتكم لم تحققوا للناس ما وعدتموهم، كثير منكم انتهت صلاحيات شعاراته الانتخابية بأفعاله في المجلس، ولهذا الناس مستاءة منكم، ومن حقها أن تنتقدكم بأسلوب يترفع عن الشتم والتطاول، وأشك بأنكم لا تعرفون هذه الحقيقة.
Opinion
مجدداً.. قضايا ضد «شاتمي» النواب!
30 يناير 2016