أمريكا تقول إن رابع أكبر سد في الشرق الأوسط سينهار، فانشغل الإعلام بتصريحاتها وصدرت تقارير تهول الحدث المرتقب وأخرى تخفف منه، والحقيقة تعرفها أمريكا لأن قضية السد بأكملها لعبتها، فكيف لهذه اللعبة أن تنتهي؟سد الموصل في العراق الذي شيد سنة 1983 يعاني من مشكلة رافقت تشييده، لأنه شيد على تربة قابلة للذوبان، لكن منذ أن بني السد، هناك عمليات حقن بالخرسانة لا تتوقف على مدار الساعة، واستمرت هذه العمليات حتى بعد احتلال العراق، ويقال إنها توقفت عام 2014 بعد سيطرة تنظيم الدولة «داعش» على الموصل، علماً بأن السد تحت سيطرة قوات البيشمركة الكردية وليس تحت سيطرة «داعش»، ولنعرف حقيقة التحذيرات من انهيار السد لابد أن نتعرف على مواقف كل الجهات في العراق، وأول هذه الجهات أمريكا التي بدأت إطلاق هذه التحذيرات بشكل غريب ولافت للنظر، واعتمدت في تصريحاتها على الإيحاء، فذكروا في البداية أنهم أرسلوا غواصين لفحص السد الذين حذروا بدورهم السفارة الأمريكية في بغداد، لتعطي أمريكا انطباعاً للمتابعين أنها تخاف على موظفي سفارتها من التعرض للفيضان في بغداد، كي لا يشك أحد أنها تقدم معلومات مضللة عن السد، ثم بعد ذلك توالت تحذيراتهم للحكومة العراقية من انهيار السد وبيان أخطاره، فكانت أمريكا المصدر الأول والوحيد عن وضع السد، أما الجهة الثانية وهي الحكومة العراقية فكانت تؤكد دوماً عدم وجود مخاطر تتسبب بكارثة، والجهة الثالثة هم الأكراد المسيطرون عسكرياً على السد، وهؤلاء لم يصدر عنهم أي تصريح بخصوص الموضوع، وأما السياسيون الشيعة فجعلوا من مادة السد مناسبة للمناكفات السياسية بينهم، وأخيراً السياسيون السنة، وهؤلاء أخذوا دور المتفرج لأنهم لا يعرفون أي شيء عما يدور في البلد.ولتتضح الصورة أكثر علينا أن نعرف الوضع في أول مدينة يصيبها خطر السد، وهي الموصل، التي يسيطر عليها «داعش» وتحشد أمريكا لطرده من المدينة، وهي مدينة الوضع فيها مختلف تماماً عن الوضع في الرمادي التي سبق للتنظيم أن سيطر عليها، فالرمادي نزح أهلها عنها وبينهم وبين «داعش» دماء وثارات، أما أهل الموصل فأكثر أهلها لم ينزحوا عنها، وجماعة «داعش» عرفت كيف تتعامل معهم لأنها تعرف أن أهل هذه المدينة عانوا من القوات الحكومية الطائفية، فراهنت «داعش» على بقائها في الموصل من خلال توفير شيء من الأمن للأهالي مع المحافظة على وجود المواد الغذائية بأسعار رخيصة، والنتيجة أن أهل الموصل ليسوا مع «داعش» لكن ليس لديهم أي حافز لطرد التنظيم لأنهم يعرفون أن البديل هي الميليشيات الإيرانية، ولأن أمريكا تعلم هذه الحقيقة جيداً فهي بحاجة إلى أن تصل بالناس هناك إلى حال يدعوهم للتخلص من «داعش» لتنجح عمليتها العسكرية.لكل ذلك فإن أقرب سيناريو متوقع هو عمل أمريكي «محدود» مع السد، قد يتسبب في فيضان في الموصل - وليس طوفان كما يصورون – يجعل «داعش» عاجزة أمامه ولا تستطيع تقديم شيء للناس، الأمر الذي يدفع أهل الموصل لثورة ضد التنظيم، وما يؤيد ذلك إعلان أمريكا أن عملية تحرير الموصل لن تبدأ قبل أشهر، مع أنهم أعلنوا قبل ذلك أنهم أكملوا الاستعدادات.
Opinion
أمريكا ولعبة السد
03 فبراير 2016