الناس بحاجة إلى أن يستعيدوا الثقة بثلاث مؤسسات لضمان عدم لجوئهم للشارع؛ الأولى القضاء والثانية المجلس النيابي والثالثة الإعلام، كلما وجد الناس أنفسهم وصوتهم وطموحاتهم وحقوقهم مصونة في هذه المؤسسات اطمأنوا واستقروا والعكس صحيح.لا يطمئن الناس إن كان الحل والربط فقط عند النظام، فتلك مسألة تظل معلقة بصلاح أصحاب القرار في هذا النظام أو معلقة بوصولهم ووصول أصواتهم لأصحاب القرار وبإبلاغ طموحاتهم لأصحاب القرار وهذه ظروف متغيرة غير ثابتة، إنما المؤسسات إن قويت فإنها ملجؤهم الثابت والمستقر وغير الخاضع للمتغيرات.البديل عن الفوضى الخلاقة التي ابتدعوها لنا والتي ترهن سقوط الدولة بخروج الناس للشارع بدلاً من لجوئهم للمؤسسات، هي قناعة الناس بأن المؤسسات الموجودة مع القانون المنظم لها، كفيلان بتحقيق طموحاتهم وكفيلان بحمايتهم وحماية حقوقهم، في هذه الحالة يوكل الناس للمؤسسات وللقانون أن ينظما العلاقة فيما بينهم، وفيما بينهم وبين الدولة، فلا يلجؤون للشارع.«الكفر» بالمؤسسات تسبقه بوادر سخط ومؤشرات تقاس وترصد لا تستهين بها إلا أنظمة آيلة للسقوط، ولا يجملها ويخفيها عن أصحاب القرار إلا من يريد أن يستفيد هو شخصياً من بقائه في مركزه ولتذهب البلاد بمن فيها إلى الجحيم.وكذلك قناعة الناس بالمؤسسات لها مؤشرات «رضى» تستقى من عدة مصادر، حين يرى الناس أن الوزراء يصعدون على منصات الاستجواب ويجيبون الناس عن أسئلتهم علناً يؤمنون ويقتنعون أن هذه المؤسسة المسماة مجلساً نيابياً مؤسسة جادة حقيقية أدواتها الرقابية فاعلة وليست صورية، حين يرى الناس أن القانون ينفذ ويطبق بعد أن تصدر الأحكام القضائية ولا تعلق الأحكام وتقبر في محاكم التنفيذ فإن القناعة والايمان بالمؤسسة القضائية يزيدان ويطمئن الناس للجوء لها، حين يرى الناس أن العقوبات على المخالفات وإن صغرت كالمرورية والبلدية تطبق فوراً وعلى مرأى ومسمع من الناس وعلى الجميع، وحين يرى الناس أن تلك المخالفات قل عددها وتكاد تختفي من أمام ناظريهم فإن إيمان الناس بالقانون وبمؤسسات إنفاذه يزيد، حين يرى الناس أنفسهم في أجهزة إعلامهم يصرحون دون خوف ودون رقيب ولا تستغل عبارة «وفق الضوابط» لخنق حقهم في التعبير، في هذه الحالة لن يحتاج الناس لخرق القانون ولن يحتاجوا لتجاوزه فالمساحة كافية لهم للتعبير وللتغيير.في هذه الحالة لن ترى «البوادر» التي تقاس كمؤشر على احتمال ظهور الموجة الثانية مما سمي «بالفوضى الخلاقة» بل ترى بوادر الاستقرار والهدوء الفعلي لا الصوري.من الصعب اختراق مؤسسات كهذه تلبي احتياجات الناس كما أنه من الصعب أن يستغني الناس عن هذه المؤسسات و يلجؤوا للشارع، فإن رهن أي مشروع يهدف لإسقاط الدولة نجاحه بدفع الناس لخيار الشارع فإن رهانه سيخسر، الناس هم من يحمون مؤسساتهم ويدافعون عن قانونهم، وهذا ما فعله المجتمع البحريني في الموجة الأولى من الربيع العربي، الناس هم من دافعوا عن دستورهم وعن قانونهم وعن مؤسساتهم، إيماناً واقتناعاً بها أنها الحصن لهم وإيماناً واقتناعاً بأن النظام السياسي البحريني كفيل بضبط هذه العلاقة والحفاظ عليها، فلا تسلبوهم اليوم مكتسباتهم وتفرغوها من محتواها، فذلك خطر على الدولة ككل لا على النظام فحسب.