حتى لو كنت مسؤولاً ناجحاً، حتى لو كنت صاحب فكر متقدم، حتى لو كنت صاحب جهد لا تكل ولا تمل، وحتى لو كنت تعمل بضمير ومبادئ وقيم، فإن كل هذا لا يمكنه أن يصنع لك النجاح وأنت منفرد. هي صفات شخصية، وقليل من الأشخاص الذين حققوا بمفردهم فارقاً في مجال يعتمد فيه على أداء الجماعة. كعالم ومخترع، ربما تنفعك كل هذه الأمور، إن كنت تعمل وحدك، في مجال لا يستدعي تضافر الجهود فيه، فهنا عزفك الانفرادي بقدراتك الشخصية هي أبرز مقوماتك للنجاح. لكن رغم ذلك، النجاح نفسه لا يتحقق إلا في ظل تقاطعه مع مصلحة الجماعة، إلا من خلال وجود دعم وإسناد، والأهم تفاعل واستفادة من نتاج العمل. أقول ذلك كنصيحة لبعض المسؤولين بغض النظر عن قطاعاتهم، نصيحة تطرق جانبا أشك بأنهم لا يدركونه، لكن ربما يستهينون به، خاصة إن كان زمام الأمور وإصدار القرارات بأيديهم، فيظنون أن الأمور تحت السيطرة، ولربما تكون في ظاهرها لكن الواقع شيء مختلف. في كل قطاع هناك صاحب المصلحة، وهناك من يعمل بأساليب ملتوية، خاصة من تخدمه الفرص ليكون قريباً من المسؤول، هؤلاء من يسمونهم بـ «البطانة الفاسدة»، وقد لا يكون الفساد بمظاهره المعروفة كفساد مالي أو أخلاقي، لكنه فساد في أساليب التعامل مع المسؤولين ومع تحمل المسؤولية. يأتيك مسؤول همه العمل، فينخدع بحسن نية بأشخاص، يعطيهم الثقة، يعتمد عليهم، فيخذلونه، بل وبعضهم يشوهون صورته الإدارية، ويبينون بأنهم هم المحرك الفعلي للقطاع. هنا إن لم ينتبه المسؤول لهؤلاء، فإنه يظلم قطاعه ويظلم نفسه، فخطر هؤلاء على القطاعات كبير، قد لا يطالون المسؤول الكبير في وضعه، لكنهم يبثون روح السلبية والإحباط لدى بقية الموظفين، ولربما ينجحون في «تعمية» عيون المسؤولين عن أصحاب الكفاءات الحقيقية، وقد ينقلون لهم من المغالطات والأكاذيب ما قد يضر برزق موظفين عدة. والله هنا لا نبالغ، إذ مرت علينا حالات وحالات عانى منها الناس في قطاعات. تراهم يقولون إن هذا الوزير أو ذاك المسؤول إنسان محترم وخلوق وكفء ومخلص في عمله، لكن المشكلة تكمن فيمن يحيطون به إحاطة السوار بالمعصم، المشكلة فيمن يحاولون إخفاء الحقائق عنه، ومن يمنعون الناس عن بابه. لذا باتت النظرة للأسف ظالمة بحق كثيرين من المسؤولين عن مكاتب كبار المسؤولين وحتى الوزراء، نظرة قد يظلم فيها المخلصين وأصحاب الضمائر الحية والأيادي النظيفة، سببها عينات أخرى شوهت صورة القطاع وشوهت صورة المسؤول إدارياً. وعليه فإن المسؤولية تبدأ من المسؤول نفسه، عليه أن يدرك بأن للكرسي سحراً، وأن للمنصب «لعنة» تصيب من لا ينتبه ومن لا يحاسب على كل شيء. وأخطر ما قد يقع فيه المسؤول ظلمه لموظفيه اعتماداً على ما ينقل له دون التحقق، أو التسليم بالأمور بناء على ما تقوله البطانة، هامش التحقق لابد من وجوده، والخشية من التسليم بسير الأمور اعتماداً على الآخرين قد يسبب كوارث يضطر معها المسؤول نفسه بتحمل المسؤولية، وقد تكون أسباباً لتغييره. لذا النصيحة بأن نبحث دائماً عن البطانة الصالحة، اتركوا عنكم هذا الهاجس المستشري اليوم من أن كل صاحب لسان يقول الحق ولا يقبل بالخطأ إنسان «صاحب مشاكل» أو شخص «يحب التصادم»، فهؤلاء لم يتحدثوا بكل صراحة ووضوح إلا لأن هناك ما يدفعهم لذلك، لو بحثت عنهم لوجدت فيهم الحرص على القطاع، والرغبة الجامحة في الإصلاح، والخوف على السمعة، والنية لدعم المسؤول صاحب الفكر المتقدم الراغب في بذل الجهود لصناعة التغيير نحو الأفضل. تذكروا الأحاديث الشريفة وتذكروا الأدعية التي نرددها، والتي تتحدث عن «البطانة الصالحة» التي نعدها نعمة من الله، إن أحب شخصاً أكرمه بهؤلاء البشر، وإن أراد اختبار أحد جمع حوله «البطانة الفاسدة». نتمنى لكل مسؤول يقف على ثغرة من ثغرات الوطن من خلال عمله وتحمل مسؤولياته أن ينتبه لأمرين خطيرين، أولهما عليه الانتباه لخطورة تأثير الكرسي والمنصب، وأن يحرص ألا يغير هذا الموقع من صفاته وأخلاقه وعمله والأهم مبادئه وضميره، والأمر الثاني الحذر من المتمصلحين من التقرب منه، المنافقين ومزوري الواقع، من يمدحونه لحمل بشته، ومن يجاملونه ليستفيدوا وفق معايير لا تتعلق بالجدارة والكفاءة. أنت المسؤول يا مسؤول، فرجاء كن مسؤولاً!