نواصل في الجزء الثاني من المقال حديثنا عن الموقف المصري من أزمات العالم العربي الكثيرة والمتنوعة. وقد أشارت مؤسسة «ستراتفور» الأمريكية في يونيه 2007 لتراجع دور مصر كزعيمة للمنطقة لصالح المملكة العربية السعودية. ولضيق الوقت فلن أعلق على كل التصورات سوى في نقاط موجزة:أولها: إن دور مصر والسعودية يتكاملان ولا يتنافس أو يتعارضان إلا في حالة واحدة وهي افتقار أحدهما للرؤية والاستراتيجية السليمة. وضعف ثقة القيادة في ذاتها وقدراتها أو في حالة إحاطة مجموعة من المنافقين بمثل تلك القيادات يتعيشون على النفاق وتشويه صورة الآخر، وقد حدث هذا كثيراً في التاريخ العربي، فشوهت صورة ابن رشد وابن خلدون وأبي حامد الغزالي والإمام أبو حنيفة وغيرهم كثيرون.ثانيها: إنه لا يمكن إلقاء الاتهام دائماً على مبادرة الرئيس أنور السادات بالسلام مع إسرائيل بل إن هذه المبادرة أنقذت مصر من ويلات كثيرة، وهي تعبر عن توجه استراتيجي ورؤية مستقبلية افتقدتها المنطقة العربية، ولعلني أطرح السؤال، ماذا قدمت قوى الرفض والممانعة العربية سوى الخراب والدمار، ولعل وزير الخارجية المصري الأسبق عمرو موسى كان ذا مصداقية عندما وصفهم خير وصف بأنهم «جماعة الجمود والتردي». وأنا في تقديري أن السادات من النخبة المتميزة من قادة مصر عبر العصور بشجاعته ورؤيته البعيدة المدى رغم أخطائه العديدة، وليس هناك إنسان أو قائد معصوم من الخطأ، الذي هو سمة طبيعية من سمات البشر.ثالثها: إن القرن الحادي والعشرين يرفض مفهوم الزعامة الواحدة ويسعى إلى المشاركة السياسية في الدور والرؤية، وهذا واضح من تعامل أمريكا مع الاتحاد الأوروبي ومع دول الشرق الأوسط، إذ إنه مهما كانت قوة الدولة أو مكانة الزعيم فهو في حاجة لتفاهم وتعاون ومساعدة متبادلة من الآخرين المشتركين معه في الرؤية والهدف والمصلحة.وأخيراً أهنأ الباحث فتحي خطاب على كتابته في هذا الموضوع المهم والذي هو موضع اهتمامنا جميعاً خاصة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ مصر.رابعاً: لا يفوتني أن أشير إلى حديث صريح قاله لي مواطن بحريني من ذوي الحيثية والقريب من السلطة إذ قال إنه «يتمنى لو كان في مصر في هذه اللحظة ويلتقي بالرئيس عبد الفتاح السيسي لكي يهنئه على ما ذكره حول رفض مصر التدخل في ليبيا بأية قوات مهما كانت الدوافع لأن مصر لا ترغب أن تعادي أحداً في ليبيا بل القوى المختلفة هم جميعاً أخوة للشعب المصري»، وأضاف محدثي أن «هذا القول يدل بوضوح على الرؤية الصادقة والنظرة الاستراتيجية العميقة للرئيس عبد الفتاح السيسي». وأنا من المعجبين بالسيسي في تناوله لقضية أثيوبيا وسد النهضة ومياه نهر النيل وخاصة في اعترافه بحق أثيوبيا وقيادتها وشعبها في التنمية وحق مصر في احترام حقها في الحياة، باعتبار أن النهر هو شريان الحياة في مصر وأساس حضارتها. إن هذه الصياغة اللبقة والدبلوماسية تختلف تماماً عن أقوال سياسيين ووزراء ومسؤولين مصريين افتقدوا الحكمة والرؤية وبعد النظر، حتى إن أحدهم جمع «شلة» من أعوانه وجلسوا في مهاترات حول العلاقة بأثيوبيا وبالسودان والميكروفونات مفتوحة على الملأ، فأساء ذلك للعلاقات مع دولتين شقيقتين لمصر حضارياً وجارتين جغرافياً وترتبط بهما بروابط عميقة الجذور.* خبير في الدراسات الاستراتيجية الدولية
Opinion
تأملات حول دور مصر.. حديث هادئ مع التاريخ «2-2»
08 فبراير 2016