تتساقط الأقنعة في زمن قال عنه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «يأتي على الناس زمان، القابض على دينه كالقابض على الجمر»، صدق رسول الله، عليه الصلاة والسلام. بتنا نخاف على أنفسنا وعلى ديننا من هذا الزمن، زمن الفتن المضلة وكثرة الحروب وظهور المنافقين والخونة بأقنعتهم التي تتساقط كل يوم، لتكشف لنا حقيقة مرة من هذا الزمان الذي نعيش فيه، ليس لأننا كشفنا زيف بعضهم، بل اكتشفنا أننا طيبون لدرجة أننا نصدق أن الآخرين جميعهم مثلنا، لا يتلونون ولا يلبسون أقنعة مضلة، مع أنهم يمثلون على مسرح مفتوح، جمهوره أنا وأنتم ومواطن شريف، ووطن يحتضن الجميع. المواقف والأحداث التي يمر بها المرء تكشف له المعادن، ويكتشف حينها من هو الصديق، ومن هو المنافق، ومن يتستر وراء الأقنعة، ومن هو عدونا وعدو الوطن وعدو الإنسانية، وكل يوم نسجل في يومياتنا خيبات تؤلمنا، ونعد فيها الأقنعة المتساقطة الواحدة تلو الأخرى، أحياناً نصطدم بسقوط قناع بعض الأفراد الذين هم أقرب من حبل الوريد، وأحياناً أخرى تصدمنا حقيقة بعض الدول التي تتوارى وراء أقنعة مطاطية تلبسها في كل مرة بلون مختلف في ظاهره، وأسود في باطنه، تتساير مع الأيام حسبما تريد مثل الحرباء التي تتلون بلون البيئة التي تعيش فيها حتى لا يتعرف عليها الآخرون، أما بعض الأشخاص فحدث ولا حرج، نعيش معهم في تمثيلية تلفزيونية أو مسرحية، ممثلون وأقنعة وجمهور وتصفيق على حبكة أردنا أن نعيش فيها بإرادتنا أو غصباً عنا. في عالم «غوار» عاش محبوه في قوقعة مثاليته، وتمنى من تمنى أن يكون عالمهم الحقيقي كما مسرحياته، فالحق والباطل لا يمكن أن يمتزجا في عالم افتراضي، ولا يمكن أن نطالب بعودة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحاجاتنا الملحة أن يكون بيننا، حتى تسقط الأقنعة خوفاً من الحق، وليس مرضاة للباطل، في زمن كثر الهرج أي «القتل»، وما أبشع أن تكتشف حقيقة أقنعة من كنا نؤمن بها، وأنهم في الحياة مثلنا الأعلى، فشخصية «غوار» المراوغ اكتشفنا للتو أنها شخصية تضحك علينا ولم نكن في يوم من يضحك عليها، ولسنا مضطرين أن نعرف من هو «غوار»، وماذا صرح وما هي تغريداته؟ فأحداث 2011 سقطت فيها أقنعة كثيرة، منهم من في مثل مهنته - ممثل ومطرب ورسام ورياضي - انكشف وجه المتواري وراء قناع الدوار، وكم من فنان خليجي صفقنا له جاء يلهث دعماً للإرهاب، وكم من كاتب عربي هاجم البحرين بكل ما يملك، ولا تزال كتبه تباع في الأسواق، وكم مواطن أياً كان موقعه، اكتشفنا أن مواطنته يتلفظ بها فقط، أما نواياه فلا نتدخل بها لأن أفعاله تعكس لنا تلك النوايا. كل شيء وله وقته، كما لسقوط الأقنعة وقت، نتحقق في لحظتها من الصديق ومن العدو، فسوريا تمر بأصعب الأوقات وفي كل مرة يتساقط قناع حتى نعرف من وراء ملحمة سوريا، كذلك الحال بالنسبة للعراق واليمن، حتى على المستوى المحلي، كل يوم تتراءى أمامنا حقائق وخيباتنا مع بعض النواب ومع بعض الوزارات والمؤسسات، والملام هو مجتمعنا الذي سمح لهم بأن يتلونوا باللون الذي يريدونه، وألبسهم ثوباً ليس مفصلاً لهم، فالبعض قربهم والبعض جعل مصائرنا بيدهم، ولا يلام بعد ذلك من وضع قناع على قيمه ودينه وثوابته، لأننا بتنا في زمن القابض على دينه كالقابض على الجمر.
Opinion
في زمن الأقنعة.. تتساقط الثوابت والقيم
09 فبراير 2016