تفتقر بعض اللغات إلى تصريف المستقبل، فمن الطبيعي أن يعجز متحدثوها عن التفكير المستقبلي، كما قال «غ. ويتشر G. Deutscher» في كتابه «عبر منظار اللغة Through the Language Glass». ورغم وجود «سوف»، أو حرف «السين»، كتصريف في لغة الضاد، إلا أن التوسع في استخدامهما دون التزام أفقد العربية - في مفارقة مؤلمة - التفكير المستقبلي رغم وجود تصريف المستقبل. والمناورات أو التمارين في الفقه العسكري هي الفكر العسكري، والفكر العسكري هو كل ما يخطر من حلول مستحدثة أو تحليلات للوقائع والأحداث في ميدان المعركة. فالقيام بالمناورات في هذه الحالة هو قفز للمستقبل ووضع حلول لمعضلات عسكرية راهنة. والمجازر التي ينفذها نظام بشار الأسد ضد شعبه مدعومة بالروس والإيرانيين، وموازية لجرائم تنظيم الدولة «داعش» تحد يظهر كثيراً من المؤشرات أنها معضلة عسكرية بالدرجة الأولى رغم تمويهها المتعمد بالسياسة والدبلوماسية الفجة، وتستوجب إجراء عسكري حازم. لكن الإجراء العسكري يتطلب وضع فكرة للعملية العسكرية التي سيتم تنفيذها، لذا جاءت «مناورات رعد الشمال» وهي بالأرقام حشد لـ350 ألف جندي من 25 دولة، على مدى 18 يوماً، لتكون أكبر مناورات وتدريبات عسكرية تشهدها المنطقة. لقد توسع رجال السياسة في الأشهر القليلة الماضية في وصف هياكل عسكرية لتحقيق نفس الغرض، تحقق بعضها ولم يرَ النور البعض الآخر، كالتحالف الجوي الدولي ضد الإرهاب، والقوة العربية المشتركة، والتحالف العسكري الإسلامي. حيث إن «مناورة رعد الشمال» في تقديرنا هي تنفيذ اختصرت فيه هذه الهياكل مجتمعة، بحكم أن المناورة ستكون تمرين أسلحة مشتركة لقوات تحالف. ولا تشغلنا الرسائل الإيحائية التي يراد للمناورة أن ترسلها للأسد، أو كرد على المناورات الإيرانية التي تنفذها طهران كل شهر. أو لوجود قائد فيلق القدس قاسم سليماني في دمشق وفوق رأسه «السوخوي» الروسية. أو لشذاذ الآفاق من تنظيم «داعش» الذي قد يندفع أو يدفع قسراً جنوباً جراء التضييق على عناصره. إن ما يشغلنا هو أمران، الأول، ضرورة ضبط إجراءات تأمين وصول وترحيل القوات المشتركة لكبر حجمها، وتعدد منافذ دخولها وسعة مناطق المناورة، فاحتمال قيام مخابرات أجنبية أو جماعات متطرفة بعمليات تخريبية واستغلال الهجوم بهجوم إعلامي مضاد من الخصم أمر وارد بقوة. بالإضافة إلى الاهتمام بمرحلة التحليل والتقييم لتحديد الثغرات ونقاط القوة والضعف وإن كانت المناورة قد حققت هدفها بخلق توازن مع قوات الغريم الإيراني والروسي ونظام الأسد و»داعش» في مسرح العمليات السوري. أما الأمر الثاني، فهو ضرورة خلق قابلية عالية لتحويل المناورة من «تمرين» إلى «حقيقي» أو حالة This Is Not a Drill»»، بكلمة سرية لا تتعدى مقطعين توضع في خانة الكلمات المفتاحية في أمر عمليات التمرين، وهو أمر احترازي تقول كتب القيادة والأركان أنه يتم لوقف هجوم عدو استغل انشغال القوات بالتمرين، أو لمباغتة عدو متدثر بتمرين، فهل سيسمع منفذي «مناورة رعد الشمال» كلمتي «إنقاذ - حلب»؟* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج
Opinion
مناورة «رعد الشمال» في الفكر العسكري
10 فبراير 2016