لا نحتاج اليوم أن نتابع الغرب، ولا أن نتفحص في مجتمعاتهم، ولا أن نصرف الأموال على سفرات وزيارات مكلفة تحت تصنيف «الإطلاع على تجربة الآخرين»، حتى نبحث عن أمثلة ناجحة نحاول دراستها والاستفادة منها، عبر تطبيقها على واقعنا المحلي. أقول ذلك، لأن لدينا اليوم أمثلة قريبة جداً يمكن الإطلاع عليها، وأصحابها لن يتعاملوا معنا وكأننا غرباء نأتي من الخارج لنحاول معرفة «سر الخلطة» الخاصة بهم والتي حققت لهم النجاحات. أتحدث هنا عن الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي، ولربما التوقيت مناسب لنركز على التجربة الإماراتية التي بالفعل أثبتت أنها تجربة «مبهرة» تستحق التوقف عندها والتأمل فيها ومحاولة الاستفادة منها. الإمارات العزيزة على القلوب قدمت نفسها بقوة على أنها رائدة في مجالات التنمية والتطوير وفي ترسيخ المفاهيم القيادية الحديثة، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد حفظه الله يسطر دروسا بليغة بشكل دائم، حتى حسابه على «تويتر» يتهافت على متابعته الكثيرون لما يحمله من أفكار تطويرية تعقبها مباشرة تطبيقات عملية. الإمارات قريبة من البحرين قرب النبض من الوريد، وحكامها يعتبرون البحرين جزءاً لا يتجزأ منها، لذا الأبواب مفتوحة دائماً للتعاون والشراكة وتبادل الخبرات والاستفادة غير القائمة على المصلحة مثلما يتعامل معنا الغرب. لديهم في الشقيقة العزيزة تجارب عديدة ناجحة تأثيراتها بانت بينة، بالأخص ما يتعلق بالتعامل مع الأوضاع المالية والأزمات، فدبي التي رأينا تأثرها بالأزمة الاقتصادية عادت لتقف بقوة بل وتزدان وتتألق، وتكاتفت الإمارات كلها معا لتزيد من قوة الدولة المترابطة، ولتواجه الصعاب معا، وها هي اليوم الإمارات تجني ثمار التعلم من العثرات، وثمار التعاون، والأهم ثمار الاستثمار في الطاقات في مواقع صنع القرار. لعل الكثيرون استغربوا وجود وزيرة صغيرة السن في الإمارات، إذ المسألة بحد ذاتها غير اعتيادية في دولنا، خاصة وأن عامل السن لدينا بمثابة «التابو» الذي لا يقرب ولا يمس، وحتى تصبح وزيراً لدينا لابد وأن تكون في سن معينة، لدرجة أننا نصف الوزير في منتصف الأربعينات بأنه «شاب»، وهو بالفعل في سن الشباب، لكن بالمقارنة مع أعمار بعض وزراء الإمارات صغار السن، بماذا يمكن وصفه؟!الحالة بحد ذاتها تستحق الدراسة، والخلاصة منها تفيد بأن عامل السن ليس مهما دائماً في حال كانت مقابله عوامل أخرى أهم معنية بالإبداع والتميز، فالأذكياء وأصحاب الطاقات والمتميزون ليس بالضرورة أن يرتبط إبداعهم بالسن، نعم عامل الخبرة مهم، لكن الجميل أن تمنح المسؤولية للشباب مع متابعة واهتمام وصقل من ذوي الخبرة، حينها تجد لديك طاقم عمل مفعم بالحيوية، لديه مواكبة مع العصر، ويمكن أن يكون أنموذج تشجيع وتحفيز لبقية الطاقات. هذه تجربة واحدة من تجارب عدة، معنية بتمكين الشباب وتهيئتهم ومنحهم الفرصة لخدمة وطنهم. في تجارب أخرى هناك حالات تستوجب الدراسة والاستفادة منها، تجربة السياحة في الإمارات ودبي تحديدا تجربة غنية، تجعلنا دائماً نقول لماذا لا تكون سياحتنا مثلهم، وأتحدث تحديداً هنا عن سياحة المعارض والمسارح والعروض الفنية والفعاليات المميزة؟! نعم لدينا بعض من ذلك، لكن الطموح بأن نصل لمستوى لافت مميز متألق. التجربة في التعامل مع الأوضاع المالية المتقلبة، إذ في وقت رأينا كيف تعاملنا مع تذبذب أسعار النفط، وتأثيرها على الاقتصاد والميزانية ومن ثم تداعياتها على الناس وتأثيرها على حياتهم، رأينا كيف تبدأ الإمارات مشوار «آخر قطرة نفط»، كيف أن التفكير في المستقبل بدأ منذ زمن، وبأسلوب يجعلهم مستعدين لمواجهة المستقبل بتقلباته، لا التعامل الفوري معه حينما يحصل ويحل واقعاً نضطر معه اتخاذ أصعب الحلول. حتى في وضع الميزانية والدين العام، الأشقاء أعلنوا ميزانيتهم دون دين عام، وبإيرادات لا ترتكز على النفط وحده، وتزامنت معها حزمة مشاريع ثقافية وإدارية كل مبالغها مقدرة بالملايين. هنا نبارك للإمارات إنجازاتها، وندعو الله بأن يمن عليهم بمزيد من الخير، ونأمل في المقابل أن نلتفت بجدية لتجاربهم وأن نحاول الاستفادة منها ومعرفة أفضل الأساليب التي اتبعوها وأفضل الخطط التي وضعوها ليحققوا النجاح. علاقتنا مع جيراننا في مسألة الاستفادة من التجارب يجب أن تقوى، وهذا ليس بشيء يقلل من شأن الجهود المبذولة لدينا، لكنها معادلة منطقية قائمة على أن هناك قصص نجاح تحصل بالقرب منا، فلماذا لا نتعرف عليها ونحاول العمل وفق إطاراتها وقوالبها الموجودة، خاصة وأنها أثبتت تحقيقها للنجاح؟!* اتجاه معاكس:الإمارات أنشأت منصب وزير للسعادة، عمله ينصب على التأكد من تحقق الرضا لدى الناس، ومن أن مؤشر سعادة الفرد يرتفع لمستويات عالية. أفسر المنصب على أنه شخص يهتم بضمان الجودة للخدمات الحكومية المقدمة للناس، بحيث تلبي رغباتهم وتلبي طموحاتهم وتأخذ بآرائهم وتعمل وفقها للتطوير. هذه تجربة جميلة أخرى، أتمنى لو نفكر فيها بجدية، لكن أي وزير سيكون معنياً بضمان تحقق السعادة للمواطن؟! فبعض وزرائنا الكرام هذه الأيام لا يطالعونك إلا بتصريح فيه تلويح بزيادة رسوم، أو بيان برفع الدعم!