يبدو أنه لا أحد مدرك خطورة جر المجلس النيابي ليصبح حكومياً أكثر من الحكومة فتخسر الناس أداة رقابية وضعت آمالها فيه، ولا أحد يدرك خطورة ترك المجلس لينحدر بأداء أعضائه فتضيع بوصلتهم بهذا الشكل، ولا أحد مدرك خطورة الانحدار الذي تمر به السياسة الإعلامية الخانقة للتعبير على «الأمن الوطن».إن أثر الاثنين على زيادة حدة السخط العام بتضيقهما الخناق على حق المواطن في الرقابة على الأداء الحكومي في ظل ظروف حرجة محلية وإقليمية ودولية كبير، ويحتاج لرصد مستقل وحيادي تصل نتائجه لصاحب القرار في أسرع وقت حتى ينقذ ما يمكن إنقاذه.مجلس تشغله صراعاته ومناكفاته عن أداء دوره الرقابي دون أن يجد من يلم شتاته، ونوابه أصبحوا وزراء وحكوميين أكثر من الحكومة يضيقون ذرعاً بالرقابة الشعبية، فاختلطت علينا الأمور، من يراقب من؟ ومن هي السلطة التنفيذية؟ ومن هي الرقابية؟ ولمن وأين يشكو المواطن همه؟ في ظل سلطة إعلامية تتفنن كل يوم بتضييق مساحة التعبير، وبلغ بها العجز لتبتدع حيلة مفضوحة وسياسة إعلامية لا تنم عن قدر من الفهم والذكاء حتى وإن كان محدوداً بجرها المجلس النيابي للدفاع عن سياستها فيبدو الأمر وكأن السلطتين تعاونتا للرقابة على الشعب! حقيقة من «الي يشور عليكم»؟. الاثنان المجلس النيابي والإعلام يجب أن يعيا أن أمن وسلامة البحرين مهددان بسبب سوء إدارة الاثنين لسلطتهما التي تقع تحت يدهما والعبث الذي وصل به الحال في هاتين المؤسستين.ليس من مصلحة البحرين أن يحل هذا المجلس وتعاد الانتخابات الآن نحن بحاجة لاستقرار الأوضاع، إنما ليس من مصلحة البحرين أن تنحصر خيارات حكومتها الإعلامية في ابتداع الأفكار التي تخنق الناس عن التعبير، والاكتفاء بالدفاع عن أدائها بحساب مأجور هزيل الإمكانيات على وسائل التواصل الاجتماعي، أو الاستعانة بمسرحيات ذات إخراج فاشل حولت الدراما إلى كوميديا تسلى بها الناس في «الويكند» واعتبرها ضمن احتفاليات ربيع الثقافة! ليس من مصلحة البحرين تحويل النواب إلى أبواق حكومية بهذا الشكل السمج، أفشل مخرج سينمائي ممكن يمتص غضب الناس لو أراد الاستعانة بالتمثيل والأداء المسرحي، لكن أن يجتمع الفشل والغباء فيخرجان عملاً مسرحياً مفضوحاً كهذا عمى عين الحكومة بدلاً من أن يكحلها، فإنه الإفلاس «بعينه واعلمه».هل هذا هو المجلس الذي سيغني عن لجوء الناس للشارع ويدير لهم خلافاتهم ويراقب لهم حكومتهم؟ وهل هذه هي «الاستراتيجية الإعلامية» التي تمد جسوراً بين الحكومة والناس؟ هل هذا الذي قدرنا عليه في ظل ظرف اقتصادي وأمني كالذي نمر به؟ هل هذه الأدوات الهزيلة هي أقصى الإمكانيات التي تفتق عنها ذهن الحكومة في الدفاع عن سياستها؟ ألا يكفي السخط الذي يتولد بسبب الإجراءات الاقتصادية على الحكومة والتي لا أدافع أو أهاجمها كإجراءات، ولكنني أتحدث عن أثرها على الناس، وهو أثر كان من المفترض اعتباره متوقعاً ويدفع الحكومة لوضع سياسة تمتصه بدلاً من سياسة تزيده شحناً وتصب الزيت على النار في هذا الوقت، سياسة تعبث وتستهين بذكاء الناس تزيد الحنق حنقاً والسخط سخطاً، ألا يكفي هذا حتى نجر المجلس النيابي لقائمة المسخوط عليهم؟ من الذي أشار عليكم بهذه «النصيحة» المدمرة للاثنين معاً الحكومة والمجلس؟! أي دولة تريد أن تستقر وتبتعد عن الاضطرابات تعرف أنها في هذا الوقت تحديداً تحتاج لمجلس نيابي قوي يتحمل المسؤولية مع الحكومة ويرفع عنها الحرج برقابته وشفافيته، وسقف تعبير مرتفع يمتص سخط الناس. إنما اتجهنا للعكس وكأن ذلك لم يكن كافياً حتى نزيد السخط سخطاً بالقوانين والإجراءات التي ينوي الإعلام تمريرها لتمنح شخصاً واحداً هو الوزير سلطة تفسير وفهم مضمون التعبير في الوسائل الإعلامية والاجتماعية وبجرة قلم يغلق ويوقف ما يشاء منها، بدلاً من إحكام الضوابط ومنح القضاء سلطة الغلق، امنح شخصاً واحداً لا ندري مستوى فهمه وذكائه أياً كان هذه السلطة، فهل هذه هي الحلول التي ابتدعتها أفكارنا في حماية أداء الحكومة من النقد؟ أن نمنح شخصاً واحداً سلطة تحديد الضوابط؟ وأن نجعل المجلس النيابي «سامان ديقه» وحكومي أكثر من الحكومة؟ ثم نتساءل لم هناك سخط وتذمر واستياء؟!ألا بئسها من حلول، إنها أقرب إلى طعم ورائحة «الحلول» الذي كنا نشربه زمان، إنما الفارق أن «الحلول» زمان كان يشفي من 99 علة على رأي جدتي الله يرحمها، في حين أن الحلول التي ابتدعتها السلطة الآن هي الـ 99 علة بحد ذاتها.