الرأي

الوفرة

رسائل حب



شدني موضوع متداول ذكره الكاتب ستيفن كوفي، الذي تحدث عن «عقلية الوفرة وعقلية الندرة»، وهما مفهومان سائدان في حياتنا على مختلف الصعد، لما لهما من تأثير جذري كبير في حياة البشر سواء بالسلب أو الإيجاب..
يقول الدكتور مصطفى أبوسعد في حديثه عن هذين المفهومين: «تعني عقلية الوفرة بأن تؤمن بأن هناك فرصاً تكفي الجميع، وخيراً يكفي الجميع في هذه الدنيا، فلست بحاجة أن تخسر أحداً أو تؤذي أحداً حتى تكسب أنت، فهناك خير يكفي الجميع. أما عقلية الندرة فهي أن تؤمن أن الخير والفرص محدودة «اللقمة واحدة إما أن تأكلها أنت أو يأتي أحد غيرك يأكلها»، ولا بد أن يكون هناك واحد خسران، فالحياة كلها صراع وتنافس». ويضيف: «الذين يفكرون بعقلية الندرة يخافون أن ينجح الآخرون، كما يخافون أن يمدحوا الآخرين، فلا يشاركون في معلومات ولا معرفة، لأنه يظن أن غيره إذا نجح فهو خاسر، كما يخافون أن يعلم الناس كيف نجح وكيف تطور، بمعنى أنه يخاف أن الناس تأخذ مكانه. أما الذين يفكرون بعقلية الوفرة، فتجدهم هادئين مطمئنين، لا تهددهم نجاحات الآخرين، بل يطرون نجاحاتهم ويثنون عليهم، ويشاركون الناس تجاربهم ومعرفتهم ومعلوماتهم».
اللافت في الموضوع أن المرض الفتاك المستشري بين الناس في مجتمعاتنا، وبالأخص في محيط الأعمال والعوائل، هو مرض «الحسد» ذلك المرض العضال الذي يفكر صاحبه بعقلية «الندرة» فهو يرى الخير والرزق عند غيره، والنجاحات المتتالية، والارتقاء الحياتي والمعيشي، وومضات الفوز في مختلف مجالات الحياة، يراها «نقطة تراجع في حياته، فيتمنى زوال النعمة عند من حباهم المولى بتلك النعم.. يقول المولى الحكيم: «أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً، فمنهم من آمن به، ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا». وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا». وقال عليه الصلاة والسلام: «إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب». وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: «لا تعادوا نعم الله، قيل له: ومن يعادي نعم الله؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله».
وعندما نسلط الأضواء على علامات «عقليات الندرة» تجد أن أكثر ما يزعجها أن تقدم لها النصح في مجال عملها وحياتها، فهي تعد ذلك «إساءة جوهرية» لمكانتها الإدارية والحياتية، فهي تلبس غالباً لباس «الكبرياء» والغيرة والأنا الأعلى، أنا صح وأنت خطأ، هو الشعار الذي ترسمه غالباً في منتديات حياتها، هي عقلية لا تثني على عملك، ولا تشكرك على جهدك، ولا تفرح وتسعد بإنجازاتك وتقدم لك بساط التهنئة والسرور، كما تراها تحول «إنجازك وفرحتك» إلى استهجان شديد، وشعور بالاستياء، لأنها ترى أن الإنجاز والنجاح هو في الأصل حليفها، هي عقلية لا تمد يدها إليك حتى تساعدك في محيط عملك، لخوفها بأن تسرق منها أحلامها وإنجازاتها وخبرتها «المخفية»، عقلية لا ترضى أن تسير الأمور بدون مشورتها إن غابت عن الأنظار، فهي تتربع على كافة «المغانم»، فلا تسمح لكائن من كان أن يشاركها «القرار السلطوي».
إن حياتنا لم تعد في واقع الحال كما كانت في السابق، ولم تعد النفوس تسمو بنفسها عن الصغائر وترتقي في مدارج الخير بعيدا عن تلك السفاسف الدنيئة، نحتاج أن نحرر نفوسنا من عقليات «الندرة»، وننتقل بها إلى «الوفرة» التي ترى الحياة بمنظور النجاح والأمل والسعادة وحب الخير للآخرين، نحتاج أن نتعامل بعقلية «حب لأخيك كما تحب لنفسك»، حتى نتبادل خبرات الحياة، ونغرس بذور التغيير في كل النفوس، من يفكر بعقلية الوفرة لا يهمه أبدا أن تحاربه الألسن ويقرع أبوابه المنافسين الحساد، لأنه يؤمن أن الخير كل الخير فيما يختاره الله تعالى له، وأن مساحات الحياة الشاسعة له فيها النصيب الوافر من الأرزاق وتحقيق الأحلام، فلا يأبه أبدا ان صعد غيره لسلم الترقي، أو فاز غيره في ميادين الحياة، لأن إيمانه وثقته بربه أعطته الأمل بأن يصنع النجاح بأبسط معاني السلامة النفسية والأمن الحياتي البعيد عن إطالة النظر في أرزاق ونجاحات الآخرين.
ما أروع أن نعيش حياة هادئة سعيدة مطمئنة، بعقلية منفتحة يهمها نجاح الجميع، وتفكر في العالم كله، وتسعد بأن تعيش مع شخصيات إيجابية ناجحة لها الثقل الكبير في محيط عملها، وتفتخر أن تكون عنصر نجاح باهر في حياة كل من يشاركها لقمة العيش، ويرسم الابتسامة والسعادة على جدران الحياة، عش حياتك بعقلية «الوفرة»، واقتلع جذور «الندرة»، حتى لا تحرم نفسك من أجر الآخرة، فهي خير وأبقى.