الأوطان تبنيها ثقافة، والشعوب تحتاج لثقافة حتى تبني أوطانها، وتبقى الثقافة حاضرة في شتى مناحي الحياة لأنها تمثل منجزات الإنسانية دائماً. بهذه المعادلة المبسطة، يمكننا أن ننظر لميثاق العمل الوطني ونحن نحتفي اليوم بالذكرى الخامسة عشرة للإجماع الشعبي التاريخي لهذه الوثيقة الهامة في التاريخ السياسي للبحرين الحديثة. ميثاق العمل الوطني غير الوجهة الحضارية للبحرين، وحوّلها إلى مملكة دستورية حديثة، وحدث دستورها التعاقدي، وأنشأ العديد من المؤسسات الدستورية التي قامت وفق مبادئ مرموقة مثل مبدأ الفصل بين السلطات، ومبدأ التوازن السياسي بين مجلسي السلطة التشريعية. وساهمت هذه الوثيقة السياسية الأهم في تحولات جذرية في مجتمع البحرين، ولكننا اليوم بحاجة إلى ثقافة ترسخ القيم الأساسية الواردة في الميثاق التي توافق عليها الشعب بمختلف مكوناته، وهذه الثقافة لا يمكن بناؤها تلقائياً دون جهود منظمة على المديين المتوسط والطويل. ونحن نحتفل بهذه الذكرى الوطنية علينا أن نتذكر مسؤوليتنا كمواطنين قبل مؤسسات الدولة في حماية الدستور والميثاق ومكتسباتهما وهي مكتسبات المشروع الإصلاحي الطموح لعاهل البلاد المفدى حفظه الله وأعزه. فهي مسؤوليتنا جميعاً لمواجهة من يرغب في هدم الدولة، ومؤسساتها ويسعى للمساس بالدستور أو ميثاق العمل الوطني رغم أنهما وثيقتان حسم الشعب موقفه تجاههما عبر صناديق الإرادة الشعبية، وهي مسألة غير قابلة للنقاش. ومسؤوليتنا أيضاً حماية الوطن ومكتسباته الحضارية من أي مساس بأمنه أو التلاعب في استقراره، حيث علمتنا دروس التاريخ وتجارب الحاضر أن ذهاب الأمن أسرع من رحيل الحضارة، ومتى ما غاب الأول انتهت الثانية. بهذه المسؤوليات الوطنية يجب أن نستذكرها ونحن نحتفي بذكرى ميثاق العمل الوطني. ويحق لنا أن نفخر بكل مكتسب أنجزناه، وكل إنجاز حققناه، والطريق أمام ديمقراطيتنا البحرينية ليس طريقاً مليئاً بالورود، بل هو طريق مليء بالتحديات والصعاب، وهي صعاب لم ولن تكون عصية على شعب البحرين، بل يمكن تجاوزها كما تجاوزنا غيرها بالتكاتف الوطني والوقوف مع القيادة لمستقبل يحمل آمالاً أوسع وإنجازات أكبر. يشرفنا بهذه المناسبة أن نرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات لعاهل البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله وأعزه، ورئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة الموقر حفظه الله، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء حفظه الله، وشعب البحرين العزيز. حفظ الله الوطن وأدام عليه الأمن والرخاء.