لم تعتد شعوب دول مجلس التعاون الخليجي الانخراط في حروب عسكرية أو التورط في صراعات إقليمية، ومع ذلك فإن حكوماتها تفهم جيداً مخاطر الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط، وتأثيراتها على الأمن الوطني، والأمن الخليجي الجماعي، وهذا ما يفسر لنا الانخراط في عملية «عاصفة الحزم»، ثم عملية «إعادة الأمل»، كل ذلك من أجل إعادة الشرعية لليمن، ومنع تسلل النفوذ الإيراني إلى المدخل الجنوبي للخليج لأنه مساس بأمن المنطقة. والآن جار الحديث عن انخراط عسكري خليجي جديد في سوريا من أجل مواجهة الإرهاب، وإيقاف الجرائم التي يقوم بها النظام الحاكم في سوريا ضد الشعب الأعزل بعد مقتل مئات الآلاف من السوريين وتهجير الملايين في الداخل والخارج. رغم تعقيد مسألة الانخراط العسكري في سوريا، وتباين المواقف الإقليمية والدولية بشأنها، إلا أن هناك أهمية بالغة لتفعيل دور التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب الذي قامت بتأسيسه الرياض كمبادرة تاريخية هامة لحفظ الأمن القومي الإسلامي. هناك مسار قائم يتعلق بالمشاركة العسكرية الخليجية في الحرب السورية، وثلاث من دول المجلس أعلنت رسمياً إمكانية مشاركتها في هذه الحرب المقبلة التي يمكن أن تكون نقطة تحول جوهرية ليس في تاريخ الشرق الأوسط فحسب بل في تاريخ العالم. ولكن الإشكالية القائمة الآن هي أن هناك مساراً آخر لم يتم حسمه أيضاً، وهو بالطبع لا يقل خطورة عن التهديدات الناجمة عن الحرب في اليمن أو الحرب في سوريا. هذا المسار يتعلق بالأمن الداخلي لدول مجلس التعاون التي يجب أن تواصل حزمها داخلياً كما كانت حازمة تجاه التهديدات الخارجية الإقليمية. الجماعات الثيوقراطية الراديكالية، سواءً كانت تمثل خلايا «ولاية الفقيه»، أو «داعش»، أو «حزب الله» الإرهابي، أو «جبهة النصرة»، أو «القاعدة»، أو جماعة «الحوثيين» وغيرهم مازالت موجودة في المجتمعات الخليجية، ولم تواجه حزماً نهائياً يضمن اجتثاث هذه الجماعات بشكل تام. ما جرى وتم من إجراءات لمواجهة هذه الجماعات وإرهابها، هو مجرد إجراءات مؤقتة لن تحقق أهدافاً إستراتيجية، بل هذه الجماعات تعمل في مجتمعات الخليج تحت غطاءات مختلفة، ومازالت أنشطتها مستمرة، وهي تنتظر ظروفاً معينة حتى تستعيد نشاطها علنياً، وتعود لتمارس إرهابها وتنشر أيديولوجياتها، وتحقق أهدافها المرتبطة بمنظومة إقليمية. حروب دول مجلس التعاون الخليجي في الخارج إستراتيجية بلا شك، وهي ضرورة لاعتبارات الأمن الخليجي الجماعي، ولكن الحروب الخليجية الداخلية أيضاً مهمة وإستراتيجية كذلك، ولا يمكن التوقف عن مواجهة جماعات ثيوقراطية راديكالية إن لم تعبث في أمننا اليوم، فإنها ستعبث غداً، والأمن الخليجي غير قابل للعبث.