الخبر الذي نشرته بالأمس «الوطن» على صفحاتها الأولى يرصد عملية نمو تجاري لأحد النواب الداخلين للمجلس التشريعي لتمثيل الناس، ويبين الخبر كيف أن النائب المذكور أسس حتى الآن 14 شركة تجارية، 13 منها بعد أن أصبح نائباً!!بكل صراحة أقول إنني لا أعرف من النائب المقصود، ولم أطلب اسمه من الصحيفة، فقط لأن العملية لا تتعلق بشخص بقدر ما هي تتعلق بحالة أمامنا مرتبطة بـ «المبدأ» وبالأعراف والقوانين.وأتحدث عن المبدأ هنا وأقول إن المبدأ الأول لدخول مجلس النواب هو تمثيل الناس، أولاً وأخيراً، هذا هو الذي نتوقعه ممن يخوضون الانتخابات وممن يرفعون الشعارات التي تلامس هموم وتطلعات المواطن. نحن نكتب ونتحدث دائماً وبكل قسوة بشأن ملفات الفساد والهدر المالي في القطاع الحكومي، وندلل على ما نقول بتقارير ديوان الرقابة المالية، ونمضي للتذكير بأن عملية المحاسبة لابد من وجودها، وأن القوانين لابد وأن تطبق، وأن ما نتحدث عنه يدخل في إطار حماية المال العام الذي هو ملك الوطن والمواطن. ولذلك كان أشنع تصرف يمكن أن يصل إلينا، هو معرفة أن فلاناً كمسؤول أو غيره استفاد من القطاع الذي يعمل فيه بصورة غير أخلاقية، وغير سوية، وفيها تجاوزات وتطاول على المال العام، أو استغلال الصلاحيات الإدارية للمصلحة الخاصة.كنا نصف هذه الظواهر الخاطئة ونقول بشكل مباشر وواضح بأنه «عيب» حينما تمنح لك المسؤولية والثقة لأن تكون أميناً على أموال الدولة والشعب وعلى النظام الإداري في أي قطاع، عيب أن تخون كل ذلك من أجل مصلحة خاصة. هذا فساد صريح لا يوافق عليه أحد، ولا يقبله إنسان عاقل سوي، ولا تقره أية قوانين، بل تجرمه. كنا نعول على التعامل مع تقارير الرقابة المالية والإدارية على دور النواب، باعتبار أنهم السلطة التشريعية التي تمتلك في نفس الوقت حق الرقابة وأدوات المحاسبة المتدرجة والتي تصل في مداها الأقصى لطرح الثقة، لكن أن نصدم اليوم بحالة تبين لنا وجود من يستفيد من موقعه كنائب ليعدل وضعه ويؤمن مستقبله بهذه الصورة التي تثير الاستياء لدى الناس، فإنها كارثة ما بعدها كارثة. يا أخي لسنا نحارب أحداً في رزقه، بل ندعو لمن يدخل مجال التجارة وهو «عصامي» و«نظيف اليد» بأن يوفقه الله ويفتح عليه ويبارك له في رزقه، لكننا ضد من يريد الإثراء والغنى على حساب الناس ومن خلال الاستفادة من موقعه الذي أوصله الناس له. وهنا قد يقول قائل إن العملية لربما تكون بمعزل عن المنصب السياسي الذي يشغله هذا الشخص الذي تم انتخابه، والرد هنا بأن «آمنا بالله»، لكن الإشكالية تكمن في أن من يترشح لأجل الناس عليه أن يتفرغ لأجل الناس، وبعض النواب الذين لا يملكون إلا مقعدهم في المجلس لا يخصصون وقتاً أصلاً للناس الذين صوتوا لهم، فما بالكم بنائب تاجر ولديه من الشركات العديد والتي تحتاج لاهتمام ومتابعة دائمة، أين وقته المتبقي للناس؟!لكن الفرضية الأخرى التي تقول من وحي فهم الخبر المنشور وبطريقته المعروضة، أن الشخص المعني واضح أنه استفاد من موقعه كنائب لتسهيل أموره، وهنا أستحضر حديثاً عرضياً مع أحد الأصدقاء قبل أسبوع على وجه التحديد، عن مدى استفادة النائب لموقعه، وهل البعض بالفعل هدفه مبلغاً يكاد يصل لخمسة آلاف دينار متمثلة بمكافأة أساسية وبدلات لكنها في النهاية تحسب كتقاعد على الراتب الأساسي، أي أن النائب لو نجح في الجلوس على كرسيه لثمان سنوات أي سيتحصل على 80? من المكافأة وهي أقل مما يستلمه الآن بكثير، هل يستحق مبلغ المكافأة هذا العناء؟! والإجابة جاءتني وأنا منصدم بها، باعتبار أن هذا المنصب قد يخول صاحبه التحصل على عديد من الامتيازات التي من خلالها قد يضبط وضعه ويؤمن مستقبله ويسهل أموره التجارية بالأخص، هذا لو بنيت الأمور على مستوى العلاقات مع أشخاص معينين يمتلكون صلاحية تسيير الأمور في عديد من القطاعات. هنا تفهم المسألة، وهنا يعرف سبب القتال من قبل البعض على كراسي البرلمان، وطبعاً نزكي كثيراً من النواب عن هذه الأفعال، أقلها لمعرفتنا بكثير منهم وأحوالهم وطبيعتهم. لكن أن تكون الاستفادة من المنصب بهذه الصورة، وأن يتحول النائب إلى تاجر، فإن المسألة تحتاج لوقفة، فقط من أجل الحفاظ على سمعة البرلمان ومن أجل الحفاظ على حق الناس بضرورة تحصلهم على نائب بالفعل يمثلهم لا يمثل نفسه، يصل للكرسي ليعمل من أجلهم لا ليعمل من أجل نفسه. ختام القول هنا بأن المسألة لا تتوقف عن بيان هذه المعلومات ومعرفة صاحبها، لكنها تمتد لمعرفة الكيفية التي حصلت فيها، وكيف تطورت، ومن سهل الأمور، وكيف تم التحصل على التراخيص؟!إن كان هناك بعض المسؤولين يتعاونون في أمور خاصة مع بعض النواب، بأسلوب «بامشيك، وامسك لسانك عني»، فإننا أمام مصيبة كبرى.* اتجاه معاكس: بالأمس مرت ذكرى الميثاق الوطني بهدوء وسلاسة، يوم خال من المشاكل والاضطرابات التي كان ينوي الكارهون للوطن افتعالها في ذكرى اليوم الذي حاولوا فيه اختطاف البحرين. الناس ذهبت لأعمالها بأمن وسلام، الطلبة في المدارس ذهبوا لتلقي العلم دون تعكير صفوهم، الناس في مداخل القرى كانوا آمنين من العبث، والشوارع خالية من الغوغاء. كل مظاهر الأمن والسلامة التي شهدناها أمس تستوجب منا تقديم الشكر الجزيل لرجال الأمن البواسل، تستوجب تقدير جهود الجنود المُضحين في وزارة الداخلية «العين الساهرة» على أمن البلاد والعباد. فشكراً للوزارة ووزيرها الفاضل وجميع منتسبيها، فنحن نعزو أمننا في عيشنا ووطننا لله تعالى ثم لكم، داعين بأن يحفظ كل بطل باسل يقف على ثغرة من ثغور البحرين الغالية.