كان من الطبيعي جداً أن تضم الوحدات العسكرية التابعة للجيش العراقي الذي حله بريمر سنة 2003، رجالاً من العرب والكرد والتركمان، المسلمين والمسيحيين، سنة وشيعة، وكان مشاهدة هذا الاختلاط في التشكيل الواحد أمراً طبيعياً لأن تجنيدهم كان إلزامياً يتم بناء على كونهم عراقيين في عمر ووضع محدد، ولا يستثنى من ذلك إلا من كان له عذر طبي، أما ما أسسته أمريكا بعد الاحتلال بيد إيران فلم يكن جيشاً بقدر ما هو تشكيلات ميليشيات طائفية تعتمد الانتقائية في اختيار الجنود بدل التجنيد الإلزامي، واليوم يعلن في العراق موافقة رئيس الوزراء على إعادة العمل بقانون التجنيد الإلزامي ليشمل كل مناطق العراق، لكن تأكدوا أننا لن نرى تلك المشاهد الماضية في التشكيلات، كما أننا لن نرى تطبيقاً لهذا القانون ولذلك أسباب.رغم أن السياسيين الشيعة في العراق يصرحون اليوم أن في تطبيق هذا القانون ضمانة لإشراك كل مكونات المجتمع العراقي في الجانب الأمني وعدم تمييز شخص على آخر، «مع أنهم أنفسهم كانوا معارضين لمثل هكذا قانون إلى زمن قريب»، إلا أننا لن نتمكن من مشاهدة ذلك الاختلاط وعودة اللحمة الوطنية في مؤسسة عسكرية، لأن من يدير مؤسسة الميليشيات الحالية المسماة زوراً الجيش العراقي هم الطائفيون رجال إيران، وهؤلاء لا يوجد في قاموسهم شيء اسمه اللحمة الوطنية، وإذا ما أقر القانون وطبق – وأشك في تطبيقه – فلن يعدو المشهد أن يكون قطيعاً يقوده راعٍ إيراني أو عامل بأمرهم، ومن يؤخذ من العراقيين إلى الجيش إلزامياً من الذين لا يوالون إيران، سيكون عمله أشبه بالسخرة والعبودية، وسيزج بهم في أقرب محرقة ممكنة، كذلك كيف ستكون الوحدات العسكرية تشاركية بعدما تحولت إلى نوادٍ دينية تقام فيها شعائر اللطم وتؤدى التحية العسكرية لصور المقبور الخميني؟أما لماذا لن يطبق هذا القانون فلذلك أسباب كثيرة أهمها أن الدولة فاقدة لكل مستلزمات تطبيق القانون والتي كانت متوفرة في العهود الوطنية السابقة في العراق، فليس هناك دوائر تجنيد، ولا يوجد ضباط ومراتب للتدريب، والأهم من ذلك كله من سيؤخذ للتجنيد؟ صحيح أنهم حددوا أعماراً معينة لكن كيف سيأخذون الجنود من كل العراق، فهل تقبل كردستان أن ترسل أبناءها إجبارياً، وكيف بالعرب السنة الذين هجرتهم ميليشيات إيران وأخرجتهم من أرضهم، ومن سيقبل من العراقيين الذين لا يوالون إيران أن يرسل ابنه ليحمي مصالح الطائفيين الذين يحكمون العراق ويتبعون إيران، أما أتباعها فهم من الأساس متطوعون في ميليشيات الحشد الشعبي.الواقع أن ما دفع السياسيين الشيعة لهذا القانون هو عجزهم عن دفع رواتب جنودهم، والأهم من ذلك هو خطوة ليكون بديلاً عن الحرس الوطني الذي تطالب أمريكا بتشكيله في مناطق العرب السنة، وبدل أن تكون للسنة قوة من أبنائهم تأتمر بأمرهم، يكون أبناؤهم قطيعاً بيد راعٍ إيراني، هذا إذا افترضنا أن الحرس الوطني سيكون قوة للعرب السنة.
Opinion
مشاهد لن ترى وقانون لن يطبق
17 فبراير 2016