الرأي

بكاء أم

المسيــــر




استوقفني ذلك الاتصال المؤثر لإحدى الأمهات في برنامج الشيخ إبراهيم الحادي في إذاعة القرآن الكريم بالبحرين.. الأم اتصلت وهي تبكي وتشتكي من عقوق الأبناء!! لقد رحل زوجها وبقيت مع الأبناء الذين تزوجوا وكونوا أسرهم.. المشكلة أن الأم تشتكي أن الأبناء لا يسألون عنها وتركوها وحيدة، وإن بادرت واتصلت بهم فهم لا يردون على مكالماتها.. وإن زاروها ـ بحسب قولها ـ فهم يزورونها على عجالة.. لعلنا لا نعلم بالأسباب التي دعت الأبناء لأن يتصرفوا مع والدتهم بهذا الأسلوب القاسي والجاحد.. وإن علمنا.. فلا يوجد ما يبرر أن يتصرف الأبناء مع من بذلوا الغالي والنفيس من أجل أن يصلوا إلى ما هم عليه الآن.. فقد أفنوا حياتهم لكي يشتد عود الأبناء، ويصلون إلى قمم التميز والصلاح، وأملهم أن يرونهم على مسرح الزواج وهم يشكلون حياتهم الأسرية الجديدة.
المؤلم في الموضوع أن تتذلل الأم بهذه الطريقة أمام الجميع، وهي تطلب من الأبناء أن يرفعوا على الأقل سماعة الهاتف ويسألون عنها.. المؤلم أن يجحد الأبناء بالآباء ويعقونهم ويجعلوهم عرضة لآلام الحياة بعد أن شربوا علقمها في لحظات كثيرة من حياتهم.. عن أبي بردة قال: إن رجلاً من أهل اليمن حمل أمه على عنقه، فجعل يطوف بها حول البيت، وهو يقول: إني لها بعيرها المدلل..... إذا ذعرت ركابها لم أذعر.... وما حملتني أكثر.... ثم قال: أتراني جزيتها؟ فقال ابن عمر رضي الله عنهما: لا، ولا بزفرة واحدة من زفرات الولادة».
مؤلم أن يكرس الآباء والأمهات حياتهم من أجل سعادة الأبناء ونشأتهم وصقل مهاراتهم، فيسهرون الليل ويضحون بأوقاتهم وأموالهم من أجل أن يرسموا الفرحة على وجوه الأبناء.. ثم تكون النتيجة والثمرة أبناء يجحدون بأبسط معاني البر والوفاء والرحمة.. «وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً»..
مهما كانت الأسباب، ومهما كانت المبررات، ومهما كانت الخلافات، سيبقى الأب هو الأب، والأم هي الأم.. في مقام كريم رفع شأنهما المولى الحكيم، وأرشد إلى برهما والرحمة بهما رسول البشرية الأمين صلى الله عليه وسلم.
يشتد تعبهم في السنوات الأولى بعد الزواج.. حمل فولادة فتربية فمعاناة مع توفير طلباتهم والسهر على راحتهم.. ثم تنقل للبحث عن مكان أمين لدراستهم وعملهم.. ثم التفكير في العش الزوجي المستقر.. ثم الرحيل الساكن من (البيت العود).. ليبقى من شيدا أسرة الحب لوحدهما كما انطلقت أسرتهما وهما لوحدهما.. ثم يكون الألم الأكبر بفراق دائم.. وحرمان من العطف والحب والحنان الذي رضع منهما الأبناء ما ساعدهم على النشأة الصالحة في الحياة.. الحب والحنان الذي يحتاجه الآباء والأمهات الآن أكثر من أي وقت مضى..
غريب جداً أننا مازلنا نعيش في زمان النكران والجحود.. وتتكرر صور الغفلة عن أجر الآخرة.. فرضا الله من رضا الوالدين.. فالحذر كل الحذر.. فهما بابان من أبواب الجنة..