التغيير الذي حصل في إيران في 11 فبراير 1979، كان تغييراً كبيراً عولت عليه الدول العربية والإسلامية الكثير من الآمال خصوصاً بعد قطع إيران علاقاتها مع إسرائيل، والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، وقد ذهب البعض بعيداً حتى اعتبروه بداية تغيير جذري ومميز في موازين القوى في الصراع العربي الإسرائيلي لصالح العرب، لكن مع مضي السنين تبين أن المتفائلين بهذا التغيير في إيران قد ذهبوا بعيداً جداً في تفاؤلهم حتى جاء اليوم الذي وجدوا أنفسهم فيه مصدومين بالحقيقة المرة التي أثبتت خلاف ذلك تماماً.نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي ارتكز على مبدأ «ولاية الفقيه»، سعى منذ البداية للإيحاء بأنه نصير ومعين وسند للقضايا العربية والإسلامية، ولاسيما القضية الفلسطينية، كما إنه حاول جهد إمكانه التأكيد على أنه نظام ديمقراطي تحرري مناصر للشعوب، وهو ادعاء صدقته شريحة كبيرة في الشارعين العربي والإسلامي، خصوصاً من حيث التأكيد على أن إيران تحظى لوحدها بنظام ديمقراطي يؤيد حصول شعوب المنطقة والعالم على الديمقراطية والحرية، وإنه وطوال 37 عاماً مضت، ظل هذا النظام يطبل ويزمر لديمقراطيته، مؤكداً أن الشعب الإيراني هو الذي يتحكم بالنظام والحكومة في إيران.الانتخابات البرلمانية التي جرت في ظل نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية طوال أكثر من ثلاثة عقود، والتي انبهر وانخدع بها كما أسلفنا قطاع كبير من الشارع العربي، دلت التطورات والأحداث على أن الشعب الإيراني لم يعد مؤمناً ومقتنعاً بها على مدار ثلاثة عقود ولذلك فإنه يقاطعها بصورة واضحة جداً، لكن وعلى الرغم من ذلك فإنه لايزال «شيء» من ذلك البعض الذي أشرنا إليه، مؤمناً بأن هذا النظام ديمقراطي وإن تجربته لا يطالها الشك!ما نود أن نشير إليه وإيران تستعد للانتخابات النيابية التي ستجري الجمعة المقبل، هو أن هذا النظام الذي أقام الدنيا ولم يقعدها بشأن تجربته السياسية الفكرية وعزمه على تصديرها من خلال مبدأ «تصدير الثورة»، وما قد أكده من نيته في استنساخ تجربته في بلدان أخرى، لكن وبعد الدور الإيراني في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، والبحرين، وما قد جرى ويجري في هذه البلدان العربية، من مجازر ودمار ومصائب وويلات، من جراء التدخل الإيراني وتأسيس أحزاب وجماعات وميليشيات عميلة ومشبوهة لها هناك، أكد وبشكل واضح بأن مزاعم طهران بشأن «تصدير الثورة» المزعومة ما هي إلا مجرد تخرصات وعبارات ومفاهيم عبثية لا وجود لها إطلاقا في الواقع.ونحن ننتظر إجراء الانتخابات النيابية الإيرانية المقبلة، والتي يحاول فيها نظام «ولاية الفقيه» وبمختلف الطرق والأساليب جذب ودفع أكبر نسبة ممكنة من الشعب الإيراني للمشاركة فيه، وفي خضم صراع غير معهود يدور بين جناحي هذا النظام، فإن علينا أن ننتبه إلى أنه ليس بوسع نتائج أية انتخابات أن تؤثر على هذا النظام ذلك أن عملية الانتخابات هذه والتي يشرف عليها مجلس صيانة الدستور الذي يتم اختيار أعضائه من جانب المرشد الأعلى، تهدف بالأساس من أجل المحافظة على النظام وتجميل صورته وليس العكس، ومن هنا فإن من ينتظر أو يتوقع أن تفرز هذه الانتخابات نتائج إيجابية ملفتة للنظر في صالح الشعب الإيراني وشعوب المنطقة، إنما يعيش أحلام اليقظة ويركض خلف سراب بقيعة.إننا إذ نشكك بشفافية ونزاهة الانتخابات الإيرانية ونعتبرها فاقدة للشرعية ومجرد مسرحية ولعبة يقوم بها النظام من أجل المحافظة على نفسه والدعاية والإعلام له، فإننا نود أن نلفت أنظار الشعوب والدول في المنطقة إلى ما جنته التدخلات الإيرانية السافرة في شؤون المنطقة، وإنه لو كانت هذه التجربة «نظام ولاية الفقيه»، تجربة إيجابية تخدم الشعب الإيراني وتلبي طموحاته ومطالبه وآماله، لكان يجب أن ينعكس ذلك على الدول التي تدخلت فيها، حيث إن الدمار والفرقة والانقسامات والفتنة الطائفية هي التي تعصف بهذه الدول، ولا وجود إطلاقاً لتجربة ديمقراطية أو تحررية وإنما هناك أحزاباً وجماعات وميليشيات عميلة ومشبوهة في تلك الدول تعمل ليل نهار من أجل المصالح الإيرانية فقط دون غيرها.* الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان