لا ريب ولا شك في أن للمثقف دوراً بارزاً في القضايا التي تتعلق بوعي المجتمعات البشرية، وفي كثير من الأحيان يعتبر المثقف هو البوصلة الحقيقية لمسيرة البشر نحو التفكير السوي والإنتاج والعطاء ونقد الأخطاء بصورة شجاعة، كما إن للمثقف الدور الرئيس في إرشاد الناس وتوجيههم نحو الفكر السليم وإبعادهم عن الفكر السقيم.يظل غياب المثقف من أي مجتمع من المجتمعات البشرية بمثابة غياب العقل والفكر والرشد، ولهذا فإن تقدم الأمم وتطور الحضارات مرهون دائماً وأبداً عبر التاريخ بأعداد المثقفين فيه والفلاسفة، وكذلك في نوعيتهم وتميزهم، فكلما كثر المثقفون المتميزون في أوساط المجتمعات، تميزت الحركة الإنسانية وسارت نحو النهوض والبناء. كما إن توجيه المثقف يزيد من نسبة الوعي لدى العوام من الناس، فتجدهم ينشغلون ببناء أوطانهم وحاضرهم ومستقبلهم بدلاً من إهدار الوقت حول قضايا غير فاعلة وغير منتجة على الإطلاق، ومن هنا نستطيع تأكيد غياب دور المثقف العربي في هذا العصر، واختفائه تماماً بعد مرحلة ما يسمى بـ «الربيع العربي»، فكانت الانزلاقات الخطرة التي حدثت في الأعوام الأخيرة في طول الوطن العربي وعرضه بسبب ضعف حضور المثقف وعدم مساهمته في المشهد اليومي للإنسان العربي، وعندئذ رأينا الكثير من الفراغات التي خلفها هذا الغياب على مسيرة وحركة المجتمعات العربية بشكل واضح، فجاء السياسيون وغيرهم من أصحاب المطامع باستغلال الفراغات المهمة الحاصلة، فقدموا مشروعهم في سبيل فوضى لا يمكن وصفها إلا بالعبثية والعدمية.اليوم، يتحمل المثقف العربي جزءاً كبيراً من هذا المشهد المرعب الحاصل داخل المجتمعات العربية، لأنه لم يأخذ الدور المناط على عاتقه، بل أخذ وضعية المتفرج أو المثرثر والمداهن للكثير من الأوضاع القلقة ومن صناعها في الوطن العربي، فجاء موقفه سلبياً للغاية، إذ إنه رمى بكل المسؤولية على عاتق السياسي أو العسكري أو حتى على عاتق المجتمعات المثقلة بالأوجاع والهموم والجراح، خوفاً من تحمل هذه المسؤولية الكبيرة، أو من أجل مكاسب آنية وأنانية، تحمل دفع فاتورتها الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، في الوقت الذي لم يعد للمثقف أي إسهام في ترويض الأزمات وتوعية المجتمعات للأخذ بأسباب البناء والنهضة بدلاً من السير عكس الاتجاه المطلوب والمرجو من مثقف يحمل رسالته للناس، ومن ناس لا يحملون رسالتهم للأجيال القادمة، فكانت الفوضى غير الخلاقة هي عناوين المرحلة الفائتة والبائسة من عمر أمة لا تجيد أن تقرأ سوى الهزائم والانتكاسات، ومن مثقف تاه بين رضا السياسي وبين عواطف الجماهير، فكان أن اختفى تماماً من المشهد العام، ولا نعلم إلى متى سيختفي في ظل أزمات تعصف بالواقع العربي بطريقة لم يشهدها من قبل، فهل سيخرج لنا المثقف من جحره أم سيظل حبيساً لأفكاره وكتبه وقيمه الباردة؟ وهل هي غياب الإرادة أم صراع الإرادات؟
Opinion
حين يتحول المثقف العربي إلى صنم
22 فبراير 2016