على عظم الأحداث التي تمر بها المنطقة، ومع أن كثيراً منها يبدو واضح المعالم، إلا أن التكهن بما سيحدث في المستقبل على وجه الدقة هو ضرب من ضروب الخيال، وعليه فأغلب الكتابات في هذا السياق لا تعدو أن تكون كتلك التي يكتبها المتحدثون عن الأبراج في «حظك اليوم»، لكن مع ذلك يبقى قياس وضع كل دولة قوة أو ضعفاً ممكناً، ومن هذه الدول المملكة العربية السعودية باعتبارها لاعباً أساساً.إذا أردنا أن نقيم وضع المملكة العربية السعودية، علينا أن نأخذ نظرة سريعة على سياستها مع الدول ذات الشأن وكيف هي ردة فعل هذه الدول، وأولها روسيا التي تعاملت معها السعودية اقتصادياً، فبحسب خبراء إن النفط الوحيد في العالم القادر على التحكم بأسعار النفط عالمياً هو النفط السعودي، والهبوط بأسعاره سيؤثر على روسيا وستكون له تبعات سياسية فيها، ففي نهاية العام الماضي عندما كان سعر برميل النفط 50 دولاراً صرح وزير المالية الروسي أن روسيا تستطيع التعامل مع هبوط الأسعار حتى إذا وصل سعر البرميل إلى 40 دولارا، وقد قدم البنك المركزي الروسي دراسة تبين أنه إذا هبط سعر النفط إلى 30 دولاراً للبرميل فإن الاقتصاد الروسي سيتقلص بمقدار 3% والسلع سترتفع بنسبة 7%، وهذه النسب مقاربة للنسب التي وصل لها الاتحاد السوفيتي وأنهار على إثرها، ومع أن هذا الهبوط له تبعات سلبية على الدول العربية المنتجة له إلا ان تأثيره على روسيا أكبر، أما الدولة الثانية فهي إيران وهذه حاربتها السعودية في اليمن ولازالت تحاربها وقد خسرت إيران مصالح كبيرة هناك، هذا بالإضافة إلى مقاطعتها سياسياً وشن حملة لإضعاف وجودها في الدول العربية.هناك أيضاً العراق الذي تحتله إيران وقد أرسلت السعودية إليه سفيرها بعد قطيعة طويلة، ولهذا السفير دور في بغداد مناهض لميليشيات إيران، كما أن السعودية ترفض على لسانه أن يدار العراق من قبل إيران، بالإضافة إلى مناورات «رعد الشمال» على حدودها مع العراق، وأما لبنان فقد أوقفت الدعم الذي كانت تقدمه للجيش وقوى الأمن وذكرت أن السبب هو «حزب الله» المصادر قرارات الدولة، وبخصوص سوريا، أعلن وزير الخارجية السعودي أنه يفضل تزويد المعارضة المعتدلة بصواريخ أرض جو لمنع تحليق مروحيات بشار وقد ذكر أن امتلاك المعارضة مثل هذه الصواريخ بإمكانه تغيير موازين القوى كما حصل في أفغانستان، بقيت تركيا وهذه بينها وبين السعودية تعاون على صعد مختلفة منها عسكرية.أما ردة فعل هذه الدول تجاه السعودية فيتلخص بالآتي: روسيا تصرح على لسان رئيس وزرائها أنها لا تنوي البقاء في سوريا وبشار لا يستمع لنصائحها، وتذهب لإيران لتمدها بمنظومات الدفاع الجوي، وإيران تتوسل لإعادة فتح العلاقات مع السعودية، وحكومة الميليشيات في العراق متخوفة من القوات السعودية، ولبنان أسقط بيد سياسييها، أما أمريكا فتحاول ألا تقدم تركيا والسعودية على عمل عسكري في سوريا.ومن خلال كل ذلك يمكن القول إن السعودية في موقف قوي الآن، وتضع أسساً إقليمية جديدة للتعامل مع أزمات دول المنطقة على الصعيد العسكري، وهي تدرك جيداً التحولات الاستراتيجية العميقة التي تمر بها المنطقة ولابد من خطوات عملية جريئة حتى لا تطالها هذه التحولات.
Opinion
وضع السعودية في موازين الأحداث
24 فبراير 2016