في ختام المقال الأول طرحنا هذا التساؤل، كم حجم خسائرنا في الإدارة العربية نتيجة لضعف الولاء الوظيفي وانعدام مفهوم «إدارة الولاء»؟ أحدث دراسة أجريت على الإدارات العربية كانت في المملكة العربية السعودية في عام 2013 على القطاع العام، وبعض من أكبر 30 شركه سعودية، وللمقارنة مع الدراسه الأمريكية فحجم العمالة السعودية ثمانية ملايين موظف يشكل 5 في المائة من سوق العمل الأمريكي الذي يبلغ 160 مليون موظف تقريباً. نتائج هذه الدراسة، أظهرت أن خسائر قطاع الأعمال السعودي قد بلغت 35 مليار ريال سنوياً أي نحو 9.3 مليار دولار على الأقل، و للمقارنة الموضوعية إذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أن تكلفة العامل في أمريكا تعادل ضعفي تكلفته في السعودية،علماً بأن هذه الدراسة لم تشمل العمالة في قطاعها الواسع من المؤسسات الكبرى والمتوسطه والعمالة غير السعودية والتي قد تدفع الرقم إلى أبعاد أضخم من ذلك بكثير. وقد خسرت أمريكا نحو 370 مليار دولار بسبب ضعف الانتماء لدى 65 في المائة من العاملين.ولندرك فداحة الخسائر نتيجة ضعف الولاء الوظيفي وانعدام مفهوم «إدارة الولاء»، بحجم الخسائر المبدئية في الاقتصاد السعودي والتي وصلت إلى 9.3 مليار دولار أمريكي كمثال نتيجة لانعدام مفهوم إدارة الولاء وهو يشكل لنفس عام 2013 تقريباً، 44% من الدخل الوطني لمملكة البحرين و27.84% من دخل الأردن و23 % من الدخل الوطني لليمن، ومن المؤسف أنني لم أعثر خلال بحثي في الموضوع عن إحصائيات عن البحرين أو أي دوله عربية أخرى. ما هي نتيجة هذا الإهمال القاتل لموضوع الولاء والجهل الكامل لمفهوم إدارة الولاء؟ ما هي نتيجة ضعف أو فقدان الانتماء الوظيفي في بيئات العمل لدى الإدارات العربية والخليجية خاصة؟ تظهر النتيجه في تحول العمل إلى مصدر استرزاق وليس تنمية للمهات والقدرات الشخصية والتطور، وضعف اهتمام الموظفين، وتدني الإنتاجية، وتردي الجودة، وكثرة الأخطاء، وعدم الاكتراث بالفرص وضياعها، وإهمال العمل، وتجاهل الإجراءات أو الالتفاف حولها، وظهورالهيكل غير الرسمي للإدارة المنظمة، وسوء خدمة المواطنين أو العملاء، وفي الجهات الحكومية يتحول إلى سخط شعبي وقد ينتج عنه استياء سياسي تعقبه أمور لا تحمد عقباها، خاصة إذا أخذنا في الحسبان أن انهيار الانتماء الوظيفي وانعدام إدارة الولاء هو التربة الخصبة لبذور الفساد الإداري فنحن بكل تأكيد نضع اللبنة الأساسية لانهيار الدولة.إدارة تنمية وتطويرالولاء الوظيفي في المقام الأول مسؤولية الإدارة العليا هبوطاً إلى أصغر موقع إشرافي، إنها تعكس براعة الإدارة وسياساتها وبرامجها وممارساتها وخططها لتحسين أداء وإنتاجية المنظمة وهو مزيج لا يستطيع وضعه أو الإشراف على وضعه سوى من يمتلك رؤية وصلاحية التخطيط.يعرّف المفكرون الإداريون «الانتماء الوظيفي» وهو جوهر نتاج «إدارة الولاء» بأنه: ''رغبة الموظف الذاتية في القيام بكل ما يستطيع، دون توجيه أو مراقبه أو التزام بمهام عمله الأساسية فقط، بهدف تنفيذ العمل على أكمل وجه، وبأعلى جودة لتحقيق رضا المواطن أو العميل''. لعله بذلك أصبحت الصورة واضحة بين واقع قيادات الإدارات العربية ومفهوم إدارة الولاء.ولعل نقطة البداية هي نمو الوعي لدى القيادات الإدارية والإشرافية بذلك وأداته هو تفعيل دور إدارات وأقسام تنمية الموارد البشرية بدلاً من تحويلهم إلى كبار الكهنة. وفي مقالات قادمة سنتحدث عن تجربة اليابان في ذلك وهي تجربة فريدة.* استشاري تطوير أعمال وقدرات بشرية