لا يوجد مشكلة ليس لها حل، ولا يوجد قضية ليس لها نهاية، فمهما طالت المشكلة أو القضية فإنه لا بد أن يكون لها نهاية، هذا ما يقوله المنطق ويؤكده التاريخ، ولو كان عكس هذا لانتهت الحياة منذ زمن طويل. ليس بالضرورة أن تنتهي المشكلة بغالب ومغلوب، وليس بالضرورة أن يسحق طرف الطرف الآخر أو الأطراف الأخرى لتعتبر المشكلة منتهية، بل إن مثل هذه النهاية لا تعتبر نهاية للمشكلة لأن المغلوب سيظل ينتظر الفرصة للدخول في صراع جديد أملا في الغلب وتعويض الخسارة، والمغلوب الجديد سيفعل الشيء نفسه، هكذا هي طبيعة البشر. النهاية الحقيقية لأي مشكلة هي تلك التي يشعر فيها كل ذوي العلاقة أنهم حققوا انتصاراً في جزئية معينة وأنهم لم يكونوا أكبر الخاسرين. هذا يعني أنه لا يمكن لطرف أن يحقق كل ما يريد، وفي المقابل لا يمكن لطرف أن يخسر كل شيء. الحل الحقيقي لأي مشكلة هو أن يحصل كل طرف فيها على الحد الأدنى الذي يشعره بأنه منتصر وبأنه غير مهزوم في نفس الوقت.هل هذا ممكن في شأن مشكلتنا في البحرين؟ منطقاً نعم، وواقعاً يمكن ذلك أيضاً، فشعب البحرين علاوة على أنه شعب متعلم ومثقف فإنه مدرك لما يدور حوله ويعرف أنه كلما استمرت المشكلة كلما تعقدت وأصبح حلها صعباً، وكل الأطراف ذات العلاقة بالمشكلة يدركون أنه لكي تنتهي هذه المشكلة لا بد أن تقدم ما ينبغي تقديمه من تنازلات ولا بد من التخلي عن بعض الغايات والأهداف، كما يدركون أن التنازل والتخلي هنا هو لصالح الوطن وأن الخسارة من أجل الوطن لا تعتبر خسارة.هناك إذن أساسات متوفرة تعين على الوصول إلى النهاية التي يحلم بها الجميع، وطالما أنه تتوفر أيضاً الرغبة في إيجاد نهاية للمشكلة فهذا من شأنه أن يسهل الأمر ويعجل بوضع النقطة في آخر السطر، يزيد من فرصة تحقق هذا الأمر وجود مساحة مشتركة بين مختلف الأطراف وأن هذه المساحة قابلة للاتساع.هنا سؤال يطرح بقوة، طالما أن كل هذه الأساسات والعوامل المعينة على حل المشكلة متوفرة، فلماذا لم تحل خلال السنوات الخمس الماضية؟ سؤال مهم لكن جوابه ليس صعباً، فما جرى خلال السنوات الخمس تلك هي أن ذلك البعض الذي نفذ تلك القفزة المجنونة في الهواء استمر في حلمه رغم أن الواقع يؤكد أنه غير قابل للتحقق، واستمر ينتظر تغييراً ربما يحدث في المنطقة تتوفر له من خلاله الفرصة ليحقق أهدافه أو أغلبها، والأكيد أنه ظل متعلقاً بأمل أن يتحقق الوعد الذي ألزمت أطراف خارجية نفسها به «إيران» وهي لا تملكه، يضاف إلى كل هذا أن من سيطر على الساحة معظم تلك الفترة قلة لا تمتلك الوعي السياسي لكنها تمكنت من تقييد الجمعيات السياسية وشل حركتها، وكذلك محاولات التدخل من قبل أطراف لا علاقة لها بالمشكلة والسعي إلى تدويلها وإفساح المجال للمنظمات الحقوقية الدولية كي تصير حامياً عن طرف دون آخر، فانحازت إليه وناصرته وخالفت حتى مبادئها.أسباب كثيرة ساهمت في تعقيد المشكلة وتأخر حلها، لكن هذا لا يعني أنها عصية على الحل أو أنه لا نهاية لها، فلكل مشكلة حل ونهاية وإن طالت وإن تعقدت. فيما يخص مشكلتنا مهم أن يدخل الجميع في حالة هدوء كي يتاح للعقل الفرصة ليتصرف، فلا فرصة للتفكير وسط الضجيج. نهدأ قليلاً، بل كثيراً، ثم نناقش ما حدث وندرس أسبابه ونستعرض الحلول الواقعية والممكنة قبل اختبارها وتنفيذها.