رغم أنها انتخابات عالمية للاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا»، إلا أنها بالنسبة إلينا كبحرينيين مثلت لنا حالة تحد أمام العالم، فالمرشح الأبرز كان بحرينياً وطنياً مخلصاً حتى النخاع، الشيخ سلمان بن إبراهيم آل خليفة الذي رفع راية بلاده عالية أمام العالم. أقول إمبراطورية لأنها بالفعل كذلك، فمن لا يعرف الرياضة وتحديداً كرة القدم قد يرى الأمور بنظرة غير ذات اهتمام، لكن الحقيقة أن «الفيفا» كيان يقارع في قوته دولاً من ناحية حجم العوائد الاقتصادية، بل يفوقها في مدى التأثير الذي يصل لكل سكان الكرة الأرضية من خلال «كرة القدم». لهذا نسميها «المستديرة المجنونة»، ولهذا لم يكن مستغرباً أن نشهد الزخم الضخم والاهتمام العالمي الكبير لانتخابات الرئاسة، والتي تأتي بعد مرحلة «سوداء داكنة» شهدت فضائح وسقوط أسماء لامعة، واهتزاز شخصيات كنا ننظر لها ونحن صغار على أنها رموز ونماذج في الرياضة مثل الفرنسي ميشيل بلاتيني، والذي بات البعض يشبه سقوطه في بحر الفضائح المالية بنفس السقوط الأخلاقي للأسطورة الكروية الأرجنتيني دييغو مارادونا في مستنقع المنشطات والمخدرات. عموماً، لسنا في حالة حزن، فالشيخ سلمان بن إبراهيم خاض الانتخابات بشرف، هو رجل بحريني رفيع القامة في الجانب الإداري الرياضي، ولو أردنا أن نكتب عنه في صحافتنا المحلية فإن المقام يطول جداً، سواء أكان من ناحية شخصية كإنسان رفيع الأخلاق نظيف اليد طيب المعشر، أم من ناحية الإدارة الرياضية والباع الطويل فيها، وتولي المناصب الهامة والتميز والتألق فيها. سلمان بن إبراهيم شخصية بحرينية منقطعة النظير، عاصرناه في رياضتنا البحرينية كرئيس لاتحادنا الكروي، وخضنا معه مشواراً حافلاً، أثبت لنا فيه قدراته على التعامل الذكي مع الصحافة، تقبل النقد، وسعة الصدر، وتحويل الضد إلى صديق، بل تحويل الخصوم لأقوى المساندين، ذكي بكل ما تعنيه الكلمة، وهادئ الأطباع بأسلوب القائد الرصين الذي لا يسقط في فخ الانفعال فيؤثر ذلك على قراراته. رجل البحرين الرياضي، الشيخ سلمان بن إبراهيم كان لبلاده دائماً بموقع الشمعة المضيئة، كان لها خير سفير منذ أن كان في لجنة الانضباط في «الفيفا»، ومن ثم رئاسته للاتحاد الآسيوي رغم عديد من المحاولات لوضع العراقيل والمطبات في طريقه، إلا أنه فعلها وحسمها بفضل ثقته بنفسه، ورغبته في إعلاء اسم بلاده.وما أشبه اليوم بالبارحة، فثقة الاتحادات الدولية التي اتضحت من خلال التصويت في انتخابات رئاسة «الفيفا» يؤكد هذا الجانب. فالرجل من بلد صغير اسمه البحرين، لكننا نقول دوماً بأن بلادنا كبيرة برجالاتها وكبيرة بإنجازاتهم وقدراتهم وطموحاتهم، واليوم أكد الشيخ سلمان هذا الشيء، بل أثبته بقوة حينما جعل أعناق العالم كلها تتجه للبحرين. إنها البحرين، هذه البلاد التي لو فعلنا ما فعلنا لن نوفيها حقها، ترابها الطاهر يظل أمانة في الأعناق، والسعي لرفع اسمها في جميع المحافل دين علينا، بل طموح وهدف لا يغيب عن عيوننا.لكن ما يؤسف هو أن ما حرم الشيخ سلمان من تحقيق إنجاز تاريخي للبحرين وللخليج والعرب جاء منا وفينا، جاء من المنافس العربي الآخر، الذي آثر أن يوجه الأصوات التي صوتت له في الجولة الثانية للمنافس الأجنبي، بدلاً من ابن عروبته.والله نكتبها ونحن نأسف، إذ في الوقت الذي منحت فيه 88 دولة منها عدد كبير من الدول الأجنبية الثقة للشيخ سلمان، يتقاعس العرب عن دعم بعضهم البعض. سلمان بن إبراهيم صمد، بعلاقاته القوية وبشخصيته المحبوبة الطيبة، وبثقته بنفسه، ومع دعم أشقائه الخليجيين والعرب وأصدقائه في الاتحادات القارية، هو وصل بالبحرين لتحصد الاحترام والإشادة والسمعة الطيبة عبر المنافسة الشريفة.لن نحزن، لكن سنقول مبروك للبحرين، ومبروك لسلمان بن إبراهيم على هذا الأداء المشرف، ونقول بأنه لو كان الرجل الذي سيرأس كرسي إمبراطورية الفيفا لكنا سنكون على قدر عال من الثقة بأن بوعيسى بحجم المسؤولية الكبيرة لتصحيح أوضاع الفيفا وتطوير عملها ونشر العدالة الكروية في جميع القارات، بما يجعل كرة القدم العالمية ترتقي، والأهم بأن ارتقاءها سيكون بنكهة بحرينية. لكن للأسف، النتيجة التي حصلت بهذه الصورة التي شهدت تخلي الأخ عن أخيه والتقاعس عن دعمه، تعطي مؤشراً بأن الفيفا ماضية بنفس الأسلوب السابق، لا حباً في النجاح والتطوير بل حباً في المناصب والسيطرة. أقولها وأنا مسؤول عنها، فسلمان بن إبراهيم شق طريقه بنزاهة وشرف، ولو كان في نفس موقع المنافس لدعمه بقوة، لكن يكفينا شرفاً وفخراً بأن ابن الوطن ومرشحنا حاز على ثقة كبيرة وخسر المنافسة بفعل فاعل، لكنه خرج بابتسامة الرجل الواثق، مرفوع الرأس، مستحقاً للإعجاب والتقدير، والأهم رافعاً لاسم البحرين المنافسة دائماً في المحافل بشرف ونزاهة.