لعل من أبرز الوسائل لمكافحة الفساد في مؤسسات الدولة الرسمية، هو مراجعة ملف التوظيف العائلي فيها، فالكثير من الفساد الخاص بهذا الموضوع قد أزكم أنوفنا منذ قديم الزمان وحتى يومنا هذا، وما نود التطرق إليه هنا هو التوظيف داخل نطاق»العائلة» أو ما يُسمى بالتوظيف العائلي أو توظيف الأقارب، والذي يعني أن يقوم المسؤول عن التوظيف أو المسؤول في مؤسسة حكومية عن توظيف أقربائه أو حتى معارفه بعيداً عن معايير التوظيف الحقيقية، ناهيك عن تجاهله الفاضح بعدم امتلاك القريب أو النسيب أو الحبيب لأبسط المؤهلات التي يستحق من خلالها أن يُوظف في مؤسسة رسمية ومن ثم يترقى بصورة «صاروخية» ليكون مسؤولاً في تلك المؤسسة، بينما كل ما يملكه من مؤهلات هي شهادة «قرابة»!نحن لسنا ضد توظيف الأقارب بالمطلق، فيجوز ذلك إذا جرت عملية توظيف «القريب» وفق معايير واشتراطات علمية وعملية، كأن يخضع المتقدم للوظيفة إلى امتحانِ قدراتهِ ومعرفة إمكانياته للمنصب الجديد، كذلك امتلاكه للشهادة المطلوبة لذلك المنصب، ومن ثم خضوعه لمقابلة شخصية كبقية المتقدمين لتلكم الوظيفة، ومع كل ذلك، يُفضل أن يتجنب المسؤول الحكومي المعني بالتوظيف لهذا الفعل إلا للحاجة الماسة فقط.جولة سريعة لبعض المؤسسات الرسمية، ستجد أن الكثير من الموظفين ينتمون لعائلة أحد المسؤولين في تلكم المؤسسات، بل قد تجد أن المسؤول عن التوظيف منذ الثمانينيات وحتى يومنا هذا ربما «شحن» مؤسسة الدولة التي يعمل فيها بخليط من أفراد عائلته، من الصغار والكبار ومن الرجال والنساء. هذا هو الفساد الذي ينبغي أن يتوقف حالاً في كل مؤسسات الدولة.لا داعي لذكر المؤسسات الرسمية التي يعلم غالبية الناس أنها أصبحت كبقية الشركات العائلية، بل أن الشركات العائلية الكبيرة والمحترمة لا تقوم بذات الطريقة التي تتبعها بعض مؤسساتنا في قضايا التوظيف، بل تتم عملية التوظيف في الشركات والمؤسسات العائلية المرموقة في البحرين وفق إمكانيات الإنسان وليس وفق «الحسب والنسب»، بينما في مؤسساتنا الحكومية نجد أن المدير الكبير أو المسؤول عن التوظيف يقوم بتوظيف أقاربه بشكل فاضح، من دون خجل أو حياء، وهذا الأمر يتنافى مع أبسط مقومات القيم المهنية كما أنه يتعارض مع نهج التطوير الوظيفي الحكومي، خاصة حين لا يمتلك الموظف من المؤهلات والخبرات العلمية والعملية سوى في كونه «نسيب» المدير!يجب اجتثاث هذه الظاهرة من مؤسسات الدولة، كما يجب على ديوان الرقابة المالية والإدارية أن يقوم بتخصيص بعضٍ من مجهوداته لفضح هذه الظاهرة بشكل مفصَّل في كل المؤسسات الرسمية للدولة، لأن هذا الأمر يعد من أكثر العناوين المنسجمة مع مفهوم الفساد الإداري، إذ يجب أن تُبنى مؤسساتنا الحكومية وفق المؤهلات الحقيقية وليس وفق الشللية والمحسوبية والمصاهرة والدم، فنحن في زمن مختلف، وعليه يجب على كل مسؤول أن يتعامل مع مؤسسات الدولة التي يعمل فيها كموظف لا أكثر، وبأنها في نهاية المطاف مُلْك لكل الشعب وليست ملكاً لعائلته الكريمة.
Opinion
مخازي التوظيف العائلي
27 فبراير 2016