في مقالنا السابق تناولنا خطر التردد في إنفاذ القانون وتنفيذ الأحكام القضائية على تنامي معدل الجرائم الإرهابية ومعها جرائم ترويج المخدرات وبيعها، إذا لطالما كان التأخر في حسم الأمور مغرياً للتمادي في الخطأ واستفحاله، وبهذه المناسبة وقبل أن أسترسل في التحدث عن المسؤولية المجتمعية في تفعيل أدواتهم الرقابية على أداء السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، أود أن أشكر جلالة الملك على حسمه وحزمه في التصدي للمخالفات الجسيمة التي جرت من بعض أعضاء السلطة التنفيذية وأبارك لوزيري الإعلام وشؤون مجلسي الشورى والنواب على الثقة الملكية وهم أهل لها إن شاء الله، وسنكون لهما عوناً لا بمجاملتهما بل بالرقابة أيضاً على أدائهما، فهذا دورنا، وهذا ما سيعيدنا لبداية حديثنا أي للحديث عن اختصاصات السلطة التشريعية ودورها في معالجة ما هو أخطر من الإرهاب وأخطر من المخدرات، أي في معالجة «الانضباط» والتصدي للتراخي في تطبيق القانون.الحكومة والقضاء هما الجهتان المسؤولتان عن إنفاذ القانون وتنفيذ الأحكام، والمجلس النيابي مسؤول عن مراقبتهما والتأكد من التزامهما، وإن تقاعسا فهو مسؤول عن محاسبتهما، هذه هي الديمقراطية التي تتحقق عبر مراقبة السلطات لبعضها البعض، ولا أتفق مع أي طرح يقود إلى أن السلطة التشريعية مقيدة وعاجزة بسبب النصوص الدستورية واللائحة الداخلية عن أداء مهمتها، وبالتالي فهي عاجزة عن ضمان إنفاذ القانون وإنفاذ الأحكام، إلا في ما يخص أداة الاستجواب وقد أبدينا رأينا في هذا القيد في مقالات سابقة ورغم ذلك فإنه قيد يمكن إزالته من اللائحة الداخلية لو توافرت الإرادة لدى نوابنا الأفاضل، إنما النواب يملكون أدوات أخرى لا تقل عنها قوة، وبإمكان تلك الأدوات لو فعلت بشكل مهني توفير الضغط المطلوب على السلطتين للقيام بدورهما وعدم التراخي، بل بإمكان تلك الأدوات أن تكون عوناً لجلالة الملك في محاسبة المقصرين واتخاذ ما يلزم ضمن اختصاصات وصلاحيات جلالة الملك الدستورية. فهم يملكون اختصاص تشكيل لجان التحقيق، التي تتيح للنواب فتح الملفات دون استثناء وتجبر السلطة التنفيذية على الاستجابة والرد على أي استفسار، أداة تمكنهم من الوصول بعدها لتصور كامل لأسباب المشكلة ومواضع الخلل، ويشكل عرض تقرير اللجنة في الجلسة العامة فرصة كبيرة لتشكيل ضغط من الرأي العام على السلطة التنفيذية خاصة إذا كان أداء لجنة التحقيق أداء احترافياً استعانت فيه بأصحاب الاختصاص وفندت فيه ردود الحكومة بناء على معلومات ومستندات تدينها، وهذا يتطلب جهداً من أعضاء اللجنة بالالتزام بالحضور وبالاستعانة بأصحاب الخبرة وبالجرأة في طلب المعلومات وعدم التراخي والمجاملة، فلجان النواب هنا لا تقل أهمية عن أي لجنة تحقيق نيابية إنما اختصاصها هنا في البحث عن المسؤولية السياسية لا الجنائية، وهي مسؤولية جسيمة ملقاة على كل وزير من الوزراء.ويملك النواب أيضاً حق المناقشة العامة ويملكون الحصانة وجميعها أدوات بإمكانها وضع السلطتين التنفيذية والقضائية تحت ضغط الرقابة الشعبية ولا يستهين أعضاء السلطة التشريعية بأداة الضغط العام، فإن عجزت عن تفعيل أداة الاستجواب حالياً فبإمكانك اللجوء للإعلام عبر المؤتمرات الصحافية واللجوء للمجالس الشعبية، استعن بالمعلومات الموثقة بالأرقام بالإحصائيات بالمستندات التي يتاح لك الوصول لها ولا يتاح لغيرك حتى النظر لها. بإمكانك خلق رأي عام موحد داخل المجلس بالتحالفات، وبإمكانك خلق رأي عام خارج المجلس بالتواصل المباشر مع الناس عبر كل ما هو متاح لك من سلطات، كل تلك المساحة ملعباً وأدوات يمكنك أن تجبر بواسطتها السلطات على العودة للانضباط والالتزام بالقانون وتطبيق وتنفيذ الأحكام القضائية، ليست المحاسبة محصورة بالاستجواب فحسب وحجب الثقة، كلما امتلكت الوقائع والأدلة والبراهين على ضعف الأداء السياسي على التراخي على التهاون في تطبيق التشريعات والقوانين وتنفيذ الأحكام على أي من الوزراء، يمكنك أن تقيل من لا يستحق منصبه قبل أن تستجوبه ودونما حاجة للصراخ والعويل والتحلطم.... أعزائي النواب لستم بعاجزين.
Opinion
أعزائي النواب لستم عاجزين
06 مارس 2016