في أي مجتمع ناهض عمليات التصحيح ومعالجة الأخطاء عمليات لابد أن تكون مستمرة ولا تتوقف، بل يجب أن تتم بصورة يومية. بداية لابد من التذكير بأن من لا يعمل لا يخطئ، وكثير من الأمثلة الشهيرة تقول إن من لا يريد الوقوع في الأخطاء عليه الجلوس في بيته، لكن في المقابل التحدي أمام كل من يعمل أن يصل بعمله إلى مرحلة الإتقان والجودة، وهذه العملية بحد ذاتها لا تتحقق بشكل فوري، ولا بين ليلة وضحاها. حينما تتصل ببعض الشركات والمؤسسات التجارية على خطها الساخن تطالعك في البداية جملة مفادها بأن «هذه المكالمة سيتم تسجيلها لضمان أعلى مستويات الجودة»، وهنا الجودة التي يقصدونها تتفرع إلى عدة أمور، أولها: الحرص على حل مشكلة العميل المتصل، ثانياً: الوصول لمرحلة تحقيق رضا العميل من الخدمة المقدمة، وثالثاً: ضمان التعلم من الأخطاء حتى يتم تلافيها مستقبلاً. ما أريد قوله هنا، هو أن الخبرات التراكمية لدينا من الخطأ احتسابها بناء على العمر الزمني، أي القول بأن فلاناً لديه من الخبرة العملية مثلاً أربعون عاماً، بل على العكس لربما صاحب سنوات الخبرة الطويلة لا يستفيد من خبرته في تطوير منظومات العمل لديه، أو حتى أدائه على مستوى شخصي، فتكون جودة عمله ضعيفة أو شبه معدومة، وأخطاؤه متراكمة أو تزيد أو تتفاقم. المجتمعات الذكية في ممارساتها هي تلك التي تؤسس عرفاً ثابتاً قائماً على الاستفادة من الخبرات المتراكمة في حل المشكلات، والتي لديها رصد دقيق لكافة أنواع وحالات الإخفاقات أو التراجعات أو الأخطاء، لا رصد للعلم فقط، بل رصد لحلها تباعاً. لو مسكنا كل مشكلة لدينا، ومشينا بها في مراحل عملية حل المشكلات، ووصلنا في النهاية إلى وضع حل لها بشكل نهائي، يجعل هذه المشكلة مقتلعة من جذورها، وينهيها إلى الأبد، لوجدنا أننا أمام حالة تعامل تعد «خبرة» توضع في بنك الخبرات العملية لدينا. حينما تشتري سيارة ما، لابد أن تعطى دليل السيارة، والذي فيه تفصيل كامل لها ولقطعها وأجزائها، بل وتعليمات للتشغيل والاستخدام الأمثل، وكذلك نصائح لحل المشكلات، بحيث يكون هذا الدليل «مرجعاً» للتعامل مع أي مشكلة تصادفك. وبناء على هذا المثال، وطبعاً هناك عشرات على شاكلته، حري بنا أن نبدأ في رصد الأخطاء التي تم حلها ومعالجتها وإنهاؤها، ووضعها في «دليل خبرة» عملي يضمن لنا أولاً عدم تكرارها مستقبلاً، وثانياً يساعدنا في حلها والتعامل معها سريعاً في حالة تكرارها. العيب ليس في حصول الأخطاء، بل العيب في تكرارها والوقوع فريسة لها مرات ومرات، وإن حصل ذلك فإنه يعني ضعف أسلوب المعالجة لدينا، أو أننا نستخدم حلولاً وقتية ترقيعية لا نهائية ناجعة. تراكم الخبرات مهم في أي دولة لديها طموحات باتجاه التطوير والتقدم والرقي وتحسين الخدمات وضمان جودة المخرجات. وهنا لا ننسى التذكير بأننا في دولة شعارها الإصلاح في مختلف جوانبه ومضامينه، وإن لم يكن الإصلاح شعار يومي لنا، فإننا بالتالي نحيد عن الخط الذي رسمته الدولة وأرسى دعائمه جلالة الملك. لذلك دائماً ما أقول بأنه من السهل «العيش في المشكلة»، من السهل أن «نلوك الكلام بشأن المشكلة»، ومن السهل «الانتقاد بالكلام» أو «إلقاء الكرة في ملعب الآخرين»، لكن الصعوبة والتحدي تكون بأن تتمثل أولاً كفرد بشعار الإصلاح، أن يكون كل يوم يمر عليك بمثابة التحدي من أجل الإصلاح والتعديل والتطوير، مع توثيق كل هذا ليكون خبرة متراكمة ننقلها للأجيال. الإصلاح الدائم يكون بالبحث عن الأخطاء والتعامل معها بشجاعة وذكاء، ووضع حد لها وبناء الخبرة المتراكمة بشأنها، حتى لا نكون عرضة لارتكابها مجدداً. في مثل هذا النموذج يكون وجود الأخطاء «رحمة» للمجتمعات التي تراها فرصة للقضاء عليها والتعلم منها لتجنبها مستقبلاً، لكنها تكون «نقمة» على المجتمعات التي يتكرر وقوعها في نفس الأخطاء ولا تخرج منها باستفادة أو أقلها حلول نهائية تنهيها.