قبل أيام أصدرت أربع جمعيات سياسية هي، «الوفاق» و«وعد» و«القومي» و«الإخاء»، بياناً يدعو إلى «إطلاق خطابات وطنية جامعة قادرة على تعزيز الوحدة الوطنية وبعيدة عن الاستفزاز والتشفي ونكأ الجراح، بما يحافظ على السلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي»، ومنتقدة الإعلام المؤدي إلى «التوتر وبث الكراهية»، ومؤملة تحويله من «إعلام تأزيمي إلى إعلام موحد للجهود ينطلق من ضرورات الوحدة التي تتطلب لجم الخطاب الذي يفرق بين أبناء الشعب الواحد»، ومنبهة إلى أهمية حماية الوطن من «ويلات تداعيات أزمات الإقليم المتفجرة في العديد من دوله». كما دعا البيان إلى «البحث عن التقاطعات والجلوس على طاولة الحوار والبحث في وضع حلول قادرة على الاستمرار والتفرغ للتنمية المستدامة وتأسيس واقع جديد يبني الثقة ويعززها بين مكونات المجتمع البحريني».وباستثناء العبارات التي حاول بها صائغو البيان إخلاء طرف موقعيه من المسؤولية وإلقاء اللوم فيما حدث ويحدث على الحكومة، إلا أنه في المجمل يمكن القول إنه «بيان جميل»، لكنه يتضمن أمرين يبدو أن هذه الجمعيات لم تلتفت إليهما، الأول هو أن الإعلام المؤزم هو إعلام «المعارضة»، وما صار يعرف بـ «القوى الثورية»، والثاني هو أن ما يدعو إليه فيما يخص الحوار وتأسيس واقع جديد مبني على الثقة أمر مرفوض من «المعارضة» نفسها، اللهم إلا إن كانت هذه الجمعيات لا تعترف بأن «القوى الأخرى» جزء من المعارضة!مشكلة الجمعيات السياسية إجمالاً ليست مع الحكومة ولكن مع تلك «القوى» التي أخرجتها من دائرة «المعارضة» ولا تعترف بها، ولا يمكن أن تسمع منها أو تثق بها، وهذا يعني باختصار أن هذا البيان «مأكول خيره» ولا قيمة له، فمن يدعو إلى التهدئة عليه أن يهدئ أولاً من هم «محسوبون عليه»، وأن يقنعهم بأهميته خصوصاً في هذه المرحلة، ومن يدعو إلى تحويل الإعلام من تأزيمي إلى موحد عليه أن ينتبه إلى أن الفريق الذي هو في كل الأحوال جزء منه هو من يمارس الإعلام التأزيمي ويوظف كل الأدوات المتاحة له عبر الفضائيات «السوسة» على وجه الخصوص، لممارسة التأزيم والسب والشتم والتخوين.مثل هذا البيان ينبغي أن يوجه إلى ذلك البعض الذي يقيم في الخارج ويأتمر بأمر الخارج ولا يعترف بمن أصدره، مثل هذا البيان ينبغي أن يخاطب جمهور ذلك البعض الذي يتبعه كما المجنون وينفذ كل ما يصله من أوامر من دون مناقشة. لا يمكن منطقاً دعوة الحكومة إلى أمور كهذه بينما «المعارضة» نفسها لا تستجيب للدعوة بل لا تعترف بصاحب الدعوة. الصحيح هو أن تحل هذه الجمعيات مشكلتها مع ذلك البعض أولاً كي لا يعيق ما ترغب في الإقدام عليه، وأن تقنعه بأن ما يقوم به هو الذي يقتل كل خطوة ويرجف كل أمل.هذا البيان الذي لم توقع عليه جمعية المنبر التقدمي الديمقراطي يبدو في هذه الحالة وكأنه صدر فقط كي يقال إن هذه الجمعيات أصدرت بياناً ولم تقف مكتوفة الأيدي، ومثل هذه البيانات لا قيمة لها لأنها تعبر عن جزء من «المعارضة» وليس كلها، ولأن الرد عليها يكون سهلاً، وكذلك نسفها.إن كانت هذه الجمعيات أو غيرها تريد المساهمة فعلاً في حل المشكلة، فإن عليها بدلاً عن إصدار البيانات التي لا تفوت إلقاء اللوم على الحكومة وإعلامها أن تجلس إلى ذلك البعض وتفهمه بأن ما يقوم به خطأ وأنه لن يربح منه شيئاً وأن المتضرر منه هم الناس الذين يرفع شعار الدفاع عنهم، وأن تحل مشكلتها معه، أولاً وتحصل على «اعترافه» لأن ذلك البعض لا يعترف أساساً بهذه الجمعيات ويعتبرها عميلة وخائنة ويرى أنها تعمل ضد الناس.