مازال الغرب مهتماً بتراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، حيث خصصت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية الشهيرة عدداً خاصاً نوفمبر الماضي لمناقشة مستقبل الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد هيمنة واشنطن.المساعد الخاص لـ5 سفراء أمريكيين في بغداد خلال الفترة من 2003 إلى 2010، والمستشار الأول لرؤساء القيادة المركزية الأمريكية علي خضيري نشر بحثاً مهماً في المجلة نفسها مؤخراً، تناول فيه تقسيم العراق، حيث اقترح أن يتم هذا التقسيم لضمان بقاء أقاليم العراق معاً.مثل هذه الفكرة التي مازال البعض ينظر إليها بأنها «مجنونة وغير مقبولة» باتت اليوم أقرب للتنفيذ وللواقع، وهي مرشحة للتنفيذ في أكثر من دولة عربية تشهد اضطرابات وفوضى مستقرة كما هو الحال بالنسبة لسوريا ولبنان وليبيا.تقسيم الدول العربية لا تتم مناقشته جدياً في الدول العربية كما هو زخم هذه المناقشة في الغرب الذي يرى أنها استراتيجية مهمة لإعادة «تنظيم وترتيب» منطقة الشرق الأوسط. ليس عيباً مناقشة تصورات تقسيم الدول العربية، بدلاً من تركها لمراكز الأبحاث الغربية التي تعمل ليل نهار من أجل التنظير لهذه الظاهرة بما يتوافق مع مصالح الدول الغربية.رغم رفض العرب تقسيم الدول العربية قبل حكوماتهم، ولكن المكاشفة مهمة وتتطلب بحثاً صريحاً واستراتيجيات تتفق أو تختلف مع استراتيجية التقسيم المعمول بها. لا نؤيد قطعاً تقسيم أي دولة عربية، ولكن هناك قناعة بأن مخاطر التقسيم مازالت بعيدة عن دوائر الاهتمام ودوائر صنع القرار الخليجية والعربية. فإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط جارية التنفيذ الآن، والتزام الصمت لن يكون مجدياً إذا لم تناقش أبعاد هذه العملية وتداعياتها ونتائجها المستقبلية.وندرك جيداً أن المواجهات الجارية الآن عسكرياً وسياسياً هي مواجهات مقاومة خليجية وعربية لواقع جديد قادم، ولكن الأهم من المقاومة هو الأهداف الاستراتيجية التي يفترض أن نصل إليها، وتحديد تصوراتنا لمستقبل الشرق الأوسط عندما يتم نراه مقسماً خلال سنوات أو عقود.والتجربة السودانية مازالت ماثلة، حيث لم يتصور العرب أن يتعرض للتقسيم لعقود طويلة، ولكن المداخل كانت متعددة، وهي المداخل التي ساهمت في تقسيمه إلى سودان شمالي وآخر جنوبي، وشملت المداخل الضغوطات السياسية والمواجهات العسكرية وأيضاً الضغوطات العسكرية إلى تحقق الهدف، فصارت خريطة السودان مختلفة عن التي تعلم العرب شكلها جغرافياً طوال 55 عاماً.ماذا يريد العرب قبل وأثناء وبعد تقسيم دولهم، هذا هو السؤال المحوري الآن؟