سنوات الصراع في العراق وسوريا وليبيا وغيرها من مناطق العرب والمسلمين قضت على مئات آلاف البشر وشردت الملايين منهم، وهدمت البنى التحتية لهذه الدول وحولت أكثرها إلى معسكرات كبيرة لميليشيات تابعة لإيران عقائدياً وتنظيمياً، يقابلها نشوء تنظيم الدولة «داعش» والجدل حول وقوف أجهزة مخابرات خلفه أو استقلاله في اتخاذ القرار والأهداف، وأكثر ما يشغل بال الإنسان المسلم والعربي هو نتائج هذه الأحداث التي فسرها أن الغرب يريد إبادة المسلمين والقضاء عليهم بهذه الوسائل، خصوصاً وأن أبسط إنسان يعيش في منطقتنا اليوم متيقن أن الغرب ضالع فيما يحدث له ولإخوانه، فهل فعلاً يريد الغرب إبادتنا وتصفيتنا؟لا أشك في أن الدول الغربية لا تكن الود للدول الإسلامية وتضمر لها العداء ولا تريد لها الاستقرار بحال من الأحوال، كيف لا وقد كانت بينهم وبيننا حروب طويلة امتدت لقرون، ولم تتمكن من الانتصار علينا إلا قبل مائة سنة، أضف إلى ذلك أن تلك الدول نفعية تتبع مصالحها وقد خاضت حروباً مريرة فيما بينها أشرس من حروبها مع المسلمين وأكثر خسارة، لكن ومع أن ما يحدث للعرب والمسلمين اليوم من أحداث وصلت حد الإبادة إلا أن الهدف من هذه الأحداث ليس القتل والإبادة لذاتها وإنما لتحقيق مصالح هذه الدول في مناطقنا سواء كانت مصالح عسكرية تمنحها المزيد من القوة أو مصالح سياسية واقتصادية، وما يحدث من قتل مصاحب لهذه الأحداث فهو من باب «زيادة خير» لهذه الدول، كمن يشتري جهازاً ويحصل على جهاز من نوع آخر مجاناً.بالتأكيد ما يجري لنا اليوم جاء بتخطيط من الدول الغربية، لكن يجب أن نعلم أن حتى هذا التخطيط لم يكن كمن يكتب سيناريو فيلم أو مسلسل فنرى أحداثه كما كتبها، ولكنهم وضعوا خطوطاً عريضة لخططهم وجعلوها متوافقة مع السنن الكونية تدور في فلكها، فاستثمروا فينا عدم التخطيط والضعف وثقافة إعجاب المغلوب بالمنتصر فتحقق لهم ما أرادوا. نعم لقد سمح الغرب للصراع في الدول العربية أن يكون صراع استنزاف طويل الأمد يحصد قدراً كبيراً من الأرواح، ومنحت الدول العظمى وعلى رأسها أمريكا، إيران فرصة لنشر ميليشياتها وجعلت الإعلام العالمي يبتعد عن وصفهم بالإرهاب، لكن كل ذلك يبقى لمصلحة الدول الغربية لا لمصلحة إيران التي أعماها حقدها، كذلك يجب ألا نظن أن رأس الغرب أمريكا مسيطرة تماماً على الوضع وبيدها مقاليد الأمور ولها أن تفعل ما تشاء وقتما تشاء، فكثير من الأمور ليست بيدها وتخرج عن سيطرتها لكن ما يميزها هو قدرتها على إدارة الأحداث والعمل وفق قوانين الكون، ولذا تتمكن من توجيه الأحداث لتكون أعمال «داعش» لصالحها تارة وأعمال الميليشيات الشيعية لصالحها تارة أخرى.