أثناء ترتيبي لمكتبتي أمس عثرت على استبيانين أجريتهما في صحيفة الأيام أحدهما العام 1989 والثاني 1994 الأول كان للأطفال والثاني للمتزوجين، وعلى الاثنين استندت لتقديم ورقة عمل لصالح المكتب التنفيذي الخليجي. الإجابات كانت عبر تعبئة استمارات أو عبر الاتصالات الهاتفية، ولشدة ما حملت الأجوبة من إثارة نسيت المكتبة وضاع وقتي وأنا أتصفحهما وأستعيد الذكريات، فهؤلاء الأطفال الذين شاركوا في الاستبيان الأول ربما تزوجوا الآن وأنجبوا ترى كيف سيعاملون أبناءهم؟ هل تجنبوا ما كانوا يشكون منه؟ أم أعادوا استنساخ أخطاء والديهم؟ كم بودي أن أعيد الاتصال بالمشاركين، كم تمنيت أن أبحث عنهم أسألهم هل تجلسون على الأرض مع أبنائكم؟ يا إلهي كم كانت تلك الشكوى تأخذ حيزاً عندهم «أبي لا يجلس على الأرض معي» «أمي بجانبي لكنها تقرأ الجريدة» بودي أن أسأل أصحاب تلك الشكوى هل تحدثون أبناءكم؟ ما هي المواضيع المشتركة معهم؟ كم تبلغ أطول مدة حوار بينكم وبين أبنائكم؟ تلك كانت أسئلتي، وكانت الإجابات على لسان الأطفال تدل على المسافة الكبيرة بينهم وبين والديهم حتى وإن تواجدوا معهم في نفس المكان، إلا أن ذهن الآباء كان مشغولاً بأي شيء آخر عدا المخلوق الماثل أمامهم.إحدى الإجابات لطفلة تقول المرة الوحيدة التي أطال أبي الاستماع لحديثي عن صديقاتي كانت في السيارة في طريقنا أثناء العودة للبيت من المدرسة، وفرحت لحسن إصغائه لكنني حين انتهيت فوجئت به يقول لي اسمعي أغنية عبدالكريم عبدالقادر جميلة!!! «زمن الطيبين».تراها كيف تصغي لأبنائها تلك الفتاة؟ هل تتفاعل مع حوارهم أم أنها سارحة مع «علمني حبك سيدتي» للقيصر؟!أما الاستبيان الثاني فكان سؤالاً للمتزوجين إن عاد بك الزمن هل ستعيد اختيار شريك حياتك؟ كان الاستبيان يهدف لفحص معاييرنا لاختيار الشريك هل ستظل هي ذاتها التي كانت عليه قبل الزواج؟ دارت بعض الأسئلة عن مدى تطابق التفاصيل اليومية بين ما تصورته كشاب أو شابة قبل الزواج عن يومك الحقيقي بعده، وما عايشته بعد الزواج؟ إذ بني الاستبيان على افتراضية أن أكثر مشكلاتنا الزوجية تتأتى من سوء اختياراتنا وتسرعها، وعلى النظرة غير الواقعية والحقيقة عن الحياة الزوجية عند شبابنا. الإجابات كانت مثيرة جداً أكثرها تدل على اكتشاف للذات مغاير بعد الزواج يقودنا لإعادة تغيير معاييرنا ومقاييسنا، ولاكتشاف واقع مغاير جداً للتفاصيل الصغيرة البسيطة اليومية للحياة الزوجية، ربما العمر، ربما التجربة بحد ذاتها، لا أدري، إذ ليس الشريك هو الذي يتغير ونصدم به فهو لم يتغير نحن الذين نعيد اكتشاف ذواتنا، هذا ما خلصت عليه إجابات الاستبيان.وتساءلت كم بيتاً استمر وعمر وصمد أمام الكوارث من تلك البيوت التي شاركت في الاستبيان؟ ما الذي جرى على ذلك الزوج الذي أثرت فيي تعابيره عن حالة الانفصال بينه وبين زوجته، الذي قال بيني وبينها لوح زجاجي أرى شفتيها تتحرك لكنني لا أعرف ماذا تقول، يصلني صوتها لكنني لا أميزه عن أي ضجيج، ترى هل نجحا في تحطيم لوح الزجاج أم أصبح إسمنتياً؟ما ميز العملين هو المساحة التي منحت لحرية التعبير دون تحفظات، فلا أسماء تجبرك على ارتداء القناع، وأحياناً لا كتابة، وعبر الهاتف الذي لم يكن «موبايلاً» ولم نكن قد وصلنا لتقنية اكتشاف الأرقام بعد، لذا أخذ الكل راحته في التعبير أطفالاً وكباراً، وما شدني هو حجم الحوار الداخلي عندنا فهو حوار عميق صادق حقيقي نعرف فيه ما نريد، ومدى اختلافه عما نفصح به ونتحدث به للآخرين.وما اكتشفته أن أكبر مشكلاتنا في علاقتنا الإنسانية هو العجز عن «التواصل» فيما بيننا، ليس هناك تواصل تفاعلي حقيقي بيننا، نجلس معاً نعيش معاً نأكل معاً ولكن كلاً منا في عالمه.... ما أقصر الحياة ونحن نجعلها أقصر!!مساؤكم خميس ونيس بعيداً عن المنغصات السياسية وألقاكم الأسبوع القادم.
Opinion
ذكريات
10 مارس 2016